كُتاب الرأي

النهاية في الماضي والحاضر

Image
المدينة المنورة – سمير الفرشوطي
حيث تتزايد كثافة سكان الكرة الأرضية بوتيرة لا تهدأ، نجد أنفسنا محاطين بمفهوم يتردد صداه في كل زاوية من زوايا حياتنا: النهاية. هذه الكلمة البسيطة، بحروفها القليلة، تحمل في طياتها قصة الوجود البشري بأكمله، وتشكل إيقاعاً خفياً يضبط نبض حياتنا اليومية. ‎تعريف النهاية: تطور المفهوم ‎قديماً، عُرِّفت النهاية ببساطة كـ “حَدّ مُعيَّن في الزَّمان”. مثال ذلك “نهاية العطلة”، حيث تشير إلى لحظة زمنية محددة تنتهي فيها فترة الراحة. كما عُرِّفت أيضاً بأنها “آخِر، حَدٌّ مَنْظور لِبُعْد مسافة أو لِمَدًى زَمَنيّ”، كما في عبارة “نهاية الطريق”. ‎لكن في عصرنا الحالي، تطور هذا المفهوم ليشمل أبعاداً أكثر عمقاً وتعقيداً. أصبحت النهاية تُنظر إليها كنقطة تحول، بداية لمرحلة جديدة، وليست مجرد توقف أو انقطاع. ‎رحلة الحياة: من البداية إلى النهاية ‎تبدأ قصتنا مع أول صرخة للطفل الوليد، معلنة بداية رحلة جديدة في هذا العالم. نراقب بشغف نمو هذا الطفل، نحصي أيامه وشهوره، ونحتفل بكل إنجاز صغير يحققه. وفي غمرة هذا الاحتفال بالنمو والتطور، نغفل عن حقيقة أن كل يوم يمر هو خطوة نحو النهاية المحتومة. ‎النهاية في ثنايا حياتنا اليومية ‎لو تأملنا حولنا، لوجدنا أن مفهوم النهاية يتغلغل في كل جانب من جوانب حياتنا: القصص والروايات: كل حكاية نقرأها أو نسمعها تسير بنا نحو خاتمة، سواء كانت سعيدة أم حزينة الذكريات: حتى أجمل لحظات حياتنا لها نهاية، لتتحول إلى ذكريات نحتفظ بها في قلوبنا. السباقات والمنافسات: كل سباق له خط نهاية، يسعى المتسابقون للوصول إليه بكل ما أوتوا من قوة. العلم والاكتشافات: رغم أن العلم يبدو بلا حدود، إلا أن كل نظرية علمية تنتهي لتبدأ أخرى جديدة. المواد الغذائية: نجد أنفسنا دائماً نتفحص تواريخ انتهاء الصلاحية، مذكرين أنفسنا بأن كل شيء له أجل. الدراسة والدورات التدريبية: كل فصل دراسي وكل دورة لها موعد انتهاء محدد. الموارد الطبيعية: انتهاء الماء وانتهاء القوة من المجال له نهاية. الكيانات السياسية: لكل دولة لها نهاية. الممتلكات المادية: لكل منزل له نهاية، لكل سيارة لها نهاية. الجسم البشري: لكل قلب بشري له نهاية، لكل دماغ بشري له نهاية. الحياة المهنية: لكل موظف له نهاية في وظيفته. المنتجات: المواد الغذائية لها تاريخ نهاية. الرحلات: لكل سكة سفر لها نهاية. الأعمال الأدبية: لكل كتاب له نهاية ‎الحياة نفسها: رحلة محدودة ‎وفي خضم هذا كله، نجد أن الحياة نفسها أصبحت محكومة بتاريخ نهاية. نراقب أطفالنا وهم يكبرون، يصبحون شباباً يافعين، ثم رجالاً ونساءً ناضجين، وأخيراً شيوخاً حكماء. كل مرحلة من هذه المراحل لها بدايتها ونهايتها، حتى تصل إلى النهاية الكبرى: الموت. ‎النهاية: قدر أم نعمة؟ ‎قد يبدو مفهوم النهاية للوهلة الأولى مخيفاً أو محزناً. لكن لو تأملنا فيه ملياً، لوجدنا أنه يمنح حياتنا معنى وقيمة. فلولا وجود النهاية، لما قدرنا قيمة كل لحظة نعيشها. ولولا علمنا بمحدودية الوقت، لما سعينا جاهدين لتحقيق أحلامنا وطموحاتنا. ‎والخاتمة: الحمد على كل حال ‎في نهاية المطاف، نجد أن النهاية ليست سوى قصة مفروضة على الحياة، تمنحها إيقاعها الخاص وجمالها الفريد. وبدلاً من الخوف منها أو محاولة تجاهلها، علينا أن نتقبلها كجزء أساسي من رحلتنا في هذه الحياة. فكما أن لكل بداية نهاية، فإن لكل نهاية بداية جديدة.
كاتب رأي وإعلامي

سمير منصور الفرشوطي

كاتب رأي وإعلامي.

تعليق واحد

  1. “تحياتي لك، أستاذ سمير منصور الفرشوطي، على هذه المقالات القيمة والمتنوعة.
    حبث أن كتاباتك دائما لها عمق في التفكير وتنوع في المواضيع، مما يجعلها ممتعة ومفيدة للقارئ. استمر في الكتابة وإثراء الفكر والمعرفة.👍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى