كُتاب الرأي

حين أُغلقت الأبواب… وانطفأ دفء الجيران

بقلم د. دخيل الله عيضه الحارثي

 

حين أُغلقت الأبواب… وانطفأ دفء الجيران

في زمنٍ ليس ببعيد، كان الجار يُنادَى من خلف الجدار، ويُقاسم اللقمة، ويستأذن للدخول لا للخروج، وكان البيت لا تُغلق أبوابه إلا آخر الليل، لا مخافة من أحد، بل إكرامًا للهدوء.
أما اليوم، فقد أصبحت الأبواب مصفّحة، والقلوب مُصفّدة، والنوافذ موصدة على الأرواح كما على الحجر، فلا يُرى الجار إلا صدفة، ولا يُسمع صوته إلا في المصاعد أو المآتم!
أين ذهبت تلك الأيام التي كان فيها الجار يعرف مرض جاره قبل أهله؟
أين ذهبت المجالس العامرة، والسُفر التي كانت تُمدّ ببركة الحب قبل الطعام؟
أين ذهب صوت الجار الذي كان ينادي جيرانه فيلتقون، لا لفرضٍ فقط، بل لوصلٍ عزيز؟
صرنا نعيش في مباني شاهقة، لكنها خاوية من الألفة.
نجلس بجوار بعضنا، لكن أرواحنا تتباعد كما السماء عن الثرى.
نُحسن الضيافة في الأعراس، ونُغلق هواتفنا في الأزمات.
إنها عزلة المجتمع الحديثة، العزلة التي لا تُرى، لكنها تلتهم الأرواح من الداخل.
إنها الغربة بين الجدران، والوحدة في الزحام، والانشغال الذي قتل السؤال عن “كيف حالك؟”!
ما أقسى أن نرى أبوابًا تُفتح بالكهرباء، وقلوبًا لا تُفتح لا بمصيبة ولا بفرح!
وما أبرد الحياة حين يخبو دفء الجار، ويغيب صوت الأطفال بين البيوت، ولا تُطرق الأبواب إلا من ( عمال التوصيل)!
عزيزي القارئ:
ما قيمة التكنولوجيا إن حوّلتنا إلى جزر منسية؟
ما فائدة الأبراج الشاهقة إن كانت أرواحنا تسكن في أقبية من الجفاء؟
لكننا اليوم، بالكاد نعرف اسم الجار، وإن عرفناه، لا نكاد نعرف قلبه.
فلنعد إلى جيراننا كما كنا،
نطرق أبوابهم كما نطرق أبواب الرحمة،
نتفقدهم كما نتفقد أنفسنا،
ونسقي ودّهم كما نسقي زرع الحياة.
فالأوطان لا تُبنى بالأسوار، بل بالقلوب،
والمجتمعات لا تنهض بالكثرة فقط، بل بالمحبة التي تبدأ من باب جارك.

كاتب رأي وشاعر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى