العِبرة الحقيقية

إن كلمة العِبرة بكسر العين، هي كلمة يجدر الوقوف أمامها لوقت طويل، فهذه الكلمة تستحق القيام بالبحث عنها؛ لإيجاد معنى وتفسير سهل وبسيط لها؛ وذلك لأن الحياة في حد ذاتها منذ أن خلق الله سيدنا آدم (عليه السلام) وحتى قيام الساعة، هي رحلة لابد أن يدرك المرء فيها العِبَر التي يرسلها الله -سبحانه وتعالى- له من وقت لأخر، ونحن لسنا بصدد وضع تفسير ومعنى لغوي لكلمة عِبرة، فمعاجم اللغة مكتظة بالتعريفات المتعددة لهذه الكلمة ومثيلاتها، فالعِبَر موجودة في العديد من المواقف، والأماكن، كما أنها ليست قاصرة على مكان أو زمان معين، ولو نظرنا على سبيل المثال إلى الاحداث التاريخية بنظرة متمعنة وثاقبة،، لأدركنا وجود العديد من الجوانب التي تستحق أن نأخذ منها العِبَر.
فمتى ذكرت كلمة التاريخ، تبادر إلى الذهن وعلى الفور، تلك القصص والحكايات القديمة، ولاسيما تلك التي تحمل طابعاً خرافياً، يكون مدعاة ومن دون شك لإثارة الخيال، والتي في النهاية، لابد على القارئ سواء العادي أو المتخصص، أن يدرك العِبرة من الكتاب التاريخي الذي قام بقراءته؛ ليتعلم كيفية حل هذه المواقف، متى تعرض لها، وذلك إن كان قارئ عادي، أما إذا كان القارئ مختص، فهنا سيربط الاحداث ببعضها البعض ويمكنه التنبؤ بوقوع بعض الاحداث مستقبلا بنسبة كبيرة ، ولابد من الإشارة إلى أن، هناك سمة واحدة ربما هي التي تجعل الاحداث التاريخية سواء القديم منها، أو الوسيط،، أو الحديث، بل وحتى المعاصر، الذي لازالت احداثه جارية حتى وقتنا الحالي دون أن تسفر عن أية نتائج، هي أن جميع الاحداث التاريخية قائمة على عنصران اساسيان هما :: الانسان، والمكان وهما موجودان في كل عصر، وهناك عنصر ثالث مكون للحدث التاريخي إلا أنه متغير، آلا وهو الزمان، ذلك الذي لا يستطيع احد إيقافه أو التحكم فيه.
ولو نظرنا للأحداث التاريخية نظرةً ثاقبةً بعين المختص، سنجد أن للأحداث التاريخية أوجه متعددة، ومن أبرز تلك الأوجه هي: الوجه السياسي، الوجه الاجتماعي، الوجه الاقتصادي، الوجه الثقافي والعمراني، ولابد من القول بأن تلك الأوجه لا تختلف كثيرا عن نظرة القارئ العادي للتاريخ وأحداثه، فما يقرأ في الكتب البسيطة العادية أو ما قد يسمع في التسجيلات القديمة أو ما يتم عرضه من اعمال درامية، هي تجسيد وتوضيح وتعريف بالأحداث التاريخية، إلا أنه لا يمكننا الجزم بصحتها بنسبة مائة في المائة فما يقرأ في الكتب البسيطة العادية، أو الجرائد ، بل وما يتم عرضه على شاشات التلفاز وما يشبهها، كثيراً ما يكون خاضع لرأي وميول مؤلفيه وكتابه، من ثم فمن يرغبون في معرفة الحقائق التاريخية، لا يمكنهم الاعتماد على تلك الوسائل، بل وحتى المختصون انفسهم ليس بإمكانهم الاعتماد على كتابات المتخصصين أو حتى الوثوق بما يجدونه في المخطوطات والوثائق.
وسأعود مرة أخرى وأؤكد على أن الوجه أو الجانب، الذي اثرت الحديث عنه في التاريخ وهو حتمية وضرورة أخذ العِبَر من كل الاحداث التاريخية دون استثناء ، هو جانب لابد أن يكون جانبا حتميا، وهذا التأكيد ليس من منظور أني متخصصة في التاريخ، بل لأن ما يجري حاليا في العالم من احداث وتغيرات جذرية، لم تكن وليدة الصدفة بل هي صفحة من صفحات كتاب قد تمت كتابته منذ زمن بعيد، وقد حان الوقت لتنفيذ هذه الاحداث على أرض الواقع، فلنعد لقراءة الأصول يا أمة قد باتت جاهلة بمحض إرادتها في ظل سيادة عصر التقدم المقنع.
د. أميرة محمد
M.amira150m@gmail.com