كُتاب الرأي

ملحمة الفهد وعودة الحق

 

تمر الذكرى السنوية لتحرير الكويت لتعيد إلى الأذهان واحدة من أهم المحطات التاريخية في العالم العربي، والتي جسدت التلاحم الأخوي والتضامن العربي في أبهى صوره. لقد كانت حرب الخليج الثانية عام 1991 نقطة تحول كبرى، حيث قادت المملكة العربية السعودية جهود تحرير الكويت من الغزو العراقي، بقرار حاسم من الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله-، وبتضحيات عظيمة من أبناء الوطن، ومن بينهم والدي الذي كان أحد الأبطال المشاركين في تلك الحرب المجيدة.

السعودية في قلب المعركة: موقف الملك فهد التاريخي

عندما اجتاحت القوات العراقية الكويت في الثاني من أغسطس 1990، كان الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- في طليعة القادة الذين أدانوا هذا العدوان ورفضوه رفضًا قاطعًا. لم يكن موقف السعودية موقفًا دبلوماسيًا فقط، بل كان قرارًا تاريخيًا بأن تقود المملكة التحالف العربي والدولي لتحرير الكويت، وكانت كلماته الشهيرة التي وجهها للشعب السعودي والخليجي:

“إما أن تبقى الكويت والسعودية معًا، أو تذهب الكويت والسعودية معًا.”

هذا القرار لم يكن مجرد تصريح سياسي، بل كان إعلانًا واضحًا بأن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا العدوان، وأنها ستدافع عن الكويت كجزء لا يتجزأ من أمنها الوطني والقومي.

والدي في قلب الحدث: الجندي السعودي في الميدان

في تلك اللحظات الحرجة، كان الجيش السعودي من أوائل الجيوش التي استعدت لخوض المعركة، ومن بين أبطاله كان والدي، الذي انضم إلى القوات المسلحة ليكون جزءًا من هذه المهمة التاريخية. كانت مهام والدي، كما حكى لي بفخر، تتراوح بين تأمين المواقع الاستراتيجية، والمشاركة في عمليات الإمداد، والمواجهة المباشرة في ساحة القتال.

حكى لي والدي عن أيامٍ وليالٍ قضاها في معسكرات التدريب والاستعداد، وعن الإحساس بالفخر والمسؤولية عندما حان وقت الزحف نحو تحرير الكويت. لم يكن الأمر مجرد حرب، بل كان معركة شرف للدفاع عن الأشقاء، واستعادة حقوقهم المسلوبة.

عملية “عاصفة الصحراء”: اللحظة الحاسمة

في 17 يناير 1991، بدأت قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة القوات السعودية، تنفيذ العملية العسكرية الكبرى لتحرير الكويت، والمعروفة باسم “عاصفة الصحراء”. كانت هذه العملية واحدة من أسرع الحملات العسكرية في التاريخ، حيث استغرقت 42 يومًا فقط لتحرير الكويت بالكامل.

يذكر والدي كيف كان الجيش السعودي في طليعة المتقدمين لتحرير المناطق الحدودية، وكيف أن الشجاعة والتخطيط الدقيق كانا عاملين حاسمين في نجاح العملية. كما كان للغارات الجوية دور كبير في تدمير القدرات العسكرية للجيش العراقي، مما سهّل تقدم القوات البرية لاستعادة الكويت.

النصر وتحرير الكويت: لحظة تاريخية

في 26 فبراير 1991، أعلنت الكويت حرةً من الاحتلال، وكانت لحظة النصر واحدة من أسعد اللحظات التي عاشها والدي وكل الجنود السعوديين الذين شاركوا في الحرب. كان ذلك اليوم تتويجًا لتضحيات كبيرة، وروح قتالية عالية، وعمل مشترك بين الدول الحليفة التي وقفت مع الحق ضد العدوان.

والدي، الذي رأى العلم الكويتي يُرفع مجددًا في سماء الكويت، لم يتمالك دموعه، فقد كانت تلك اللحظة تعني انتصار العدل وعودة الحق لأصحابه. كان يعلم أن مشاركته، ولو كانت جزءًا صغيرًا من هذه المعركة، قد صنعت فرقًا، وأن تاريخه العسكري أصبح شاهدًا على واحدة من أعظم اللحظات في تاريخ المملكة.

إرث الملك فهد ودور السعودية المستمر

لم يقتصر دور الملك فهد على تحرير الكويت، بل امتد إلى إعادة بناء الدولة الكويتية بعد الحرب، واستقبال مئات الآلاف من اللاجئين الكويتيين خلال فترة الغزو، واحتضان المملكة للحكومة الكويتية في المنفى. لقد كان نهج السعودية في الأزمة نموذجًا للأخوة الحقيقية، والتضامن الذي لا يتزعزع.

واليوم، بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على هذا الحدث التاريخي، لا تزال ذكرى الملك فهد وتضحيات الأبطال مثل والدي، وغيرهم من الجنود السعوديين، راسخة في وجدان الوطن. لقد كانت حرب الخليج الثانية اختبارًا لقوة المملكة ووحدتها، وأثبتت أن السعودية لم تكن يومًا تتردد في نصرة الأشقاء والوقوف بجانبهم.

الخاتمة

تحرير الكويت لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان انتصارًا للقيم والمبادئ، وانعكاسًا لروح التضامن العربي. والدي، الذي حمل السلاح دفاعًا عن الكويت، هو واحد من آلاف الأبطال الذين سجلوا أسماءهم في صفحات المجد، تحت قيادة ملك عظيم لم يتخلَ يومًا عن مسؤوليته التاريخية.

كلما حلت ذكرى تحرير الكويت، نشعر بالفخر والاعتزاز بما قدمته المملكة، ونستذكر الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- بكل احترام وتقدير، ونحيي تضحيات رجال مثل والدي، الذين كانوا درع الوطن وسيفه في أصعب الأوقات.

 

روان صالح الوذيناني

كاتبة رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى