الطابور الخامس

وليد قادري
الطابور الخامس
الطابور الخامس مصطلح متداول في أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية، نشأ هذا المصطلح أثناء الحرب الأهلية الأسبانية التي نشبت عام 1936 م والتي استمرت ثلاث سنوات وأول من أطلق هذا التعبير هو الجنرال (إميليو مولا) أحد قادة القوات الوطنية الزاحفة على مدريد والتي كانت تتكون من أربعة طوابير من الثوار فقال حينها إن هناك طابورًا خامسًاً يعمل مع الوطنيين لجيش الجنرال فرانكو ضد الحكومة الجمهورية والتي كانت ذات ميول ماركسية يسارية من داخل مدريد ويقصد به مؤيدي فرانكو من الشعب، وبعدها ترسخ هذا المعنى في الاعتماد على الجواسيس في الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي..
نحى هذا المصطلح مناحٍ أخرى حيث صار يطلق على كل من يشتبه في خيانته للبلاد أو عمالته للعدو ويشمل ذلك مروجو الشائعات وناشرو الفتن وما إلى ذلك ..
في عصرنا الحالي ربما نرى البعض ممن يدافعون عن مهازل بعض الدول في محيطنا ومغامراتها السياسية المراهقة التي أسقطت حكومات دول عربية عريقة وبثت فيها الفوضى وأودت بشعوبها لحافة العوز، وهناك البعض في الجانب الآخر ممن يمجد دور الدول العظمى في الحفاظ على أمن العالم رغم أنهم جميعا يبحثون عن مصالحهم لا غير وهذه هي الحياة مصالح بين الدول والسلام يدعم هذه المصالح، وهناك البعض أيضا -للأسف- ممن يرى أن ما تفعله داعش وما شابههم مبرّر وأنهم على الحق ويرى فيهم خلافة قادمة حتى لو كانت بطعم الدماء والأبرياء والتي أثرت كثيرا وشوهت صورة الإسلام الحقيقية، ولذلك كل من ذكرت أعلاه معرض لأن يتم مراقبتهم وتجنيدهم كخلايا نائمة لصالح الجانب الذي يؤيده..
الإشكالية هي أن من ترى فيه صفات (الطابور الخامس) في البلاد قد يرى نفسه وطنيا أكثر منك وأنه ما فعل ذلك سوى لينقذ البلاد من الوضع الراهن ولا تستبعد أيضا أن يكون هدفه ماديا بحتا..
أغلب من اتهمّ بهذا المصطلح في مجتمعنا هم الكتاب والمثقفون والمشهورون بانتمائهم الليبرالي -رغم أني أشك في صحة ذلك- فلا هم ليبراليون بالمعنى الحقيقي ولا من يتهمهم بمنزه عن الوقوع في فخ التصنيف وقد يكون منهم طابور خامس بالفعل لأجندة الجماعات الإرهابية، يذكرني ذلك بالحملة المكارثية في الخمسينات في الولايات المتحدة والتي استهدفت كل من يشكك في انتمائه الشيوعي، لكن الاتهام الآن حاضر لكل الأطياف إن لم تكن حريصا على وطنك..
كلا الفرق والطوائف من وجهة نظري لا يمثلون المجتمع ولا الوطن ولا أستبعد تغلغل ثقافة الطابور الخامس في عقلهم اللاواعي ليقوموا بغباء بهدم مجتمعنا ووطننا بالنيابة عمن يتربص بنا..
يبقى أن أشير إلى رواية بنفس الإسم للروائي الأميركي العظيم (إرنست هيمنجواي) وقبل أن أختم تذكر: الوطن أولًا..
كاتب رأي وقاص