كُتاب الرأي

السعودية في مرمى أكاذيب عباد البقرة

محمد الفريدي

تشتهر الأفلام الهندية بالكثير من المشاهد الخيالية التي تتجاوز حدود العقل والمنطق، وغالبًا ما تتضمن هذه الأفلام قصصاً ومغامرات غير واقعية، ومطاردات مليئة بالإثارة، وأحيانًا بالقدرات الخارقة للطبيعة، والشعب الهندي من بين القلائل من الشعوب التي تستمتع بهذه المشاهد غير المنطقية.

أحد الأفلام الشهيرة المثيرة للضحك، وتعكس هذه الظاهرة بوضوح هو فيلم “Singham”، الذي يروي قصة ضابط شرطة شجاع يتحدى الصعاب، ويواجه الأعداء بقوة غير طبيعية، وفي أحد المشاهد، يقوم بجذب سيارة بيد واحدة بينما يقاتل أعداءه باليد الأخرى.
هذا المشهد، على الرغم من بُعده عن الواقع، يجد استحسانًا وقبولًا لدى الجمهور الهندي، رغم بعده عن العقل والمنطق، بعد المشرقين ﻭ المغربين عن بعضهما.

وفي سياق مشابه، وبنفس المنطق الهندي الملتوي، يظهر فيلم “حياة الماعز”، المشبع بالخيالات والأوهام ﻭ الأكاذيب ليمثل إساءة كبيرة لنا كسعوديين ولبلادنا، رغم ان المملكة تبذل جهودًا كبيرة على المستوى الإقليمي والدولي لدعم الدول، وتقديم الرعاية للمقيمين، و منها رعايا الهند، وتفتح أبوابها للعمل فيها.
وهذا الفيلم، الذي يدعي صانعوه – مثل كثير من أفلام الخيال الهندي – أنه مأخوذ من قصة حقيقية وقعت في المملكة جاء ليعكر صفو هذه الجهود، وهذه العلاقات الهندية _ السعودية المميزة، ويتضح للمشاهد المنصف بعد مشاهدة الفيلم أن هدفه الأساسي هو تشويه سمعة بلادنا وسمعتنا كمواطنين سعوديين، والافتراء علينا بتقديم صورة مشوهة عنا مليئة بالتحيزات والعنصرية والمغالطات التي لا نقبلها على مملكتنا، ولا على أنفسنا .

فمنذ اللحظة الأولى لمشاهدة الفيلم، يتضح لك أن صانعيه لم يهدفوا منه إلى تقديم قصة موضوعية أو حقيقية، بل سعوا إلى تقديمنا فقط للعالم كسعوديين بصورة سلبية للغاية، وبأننا أشخاص قساة، عديمي الرحمة، مرتبطون بالإرهاب والعنف، ولتعزيز هذه الصورة السلبية في الأذهان جعلوا الفيلم ينتهي بعرض لوحة سيارة سعودية، في إشارة واضحة لتجسيدنا بأننا مخلوقات متوحشة تفتقر إلى الرحمة والإنسانية.
هذه الأفلام الهندية الخيالية ليست جديدة علينا، فهي جزء من حملة طويلة الأمد تهدف منذ أكثر من خمسين سنة إلى رسم صورة مشوهة للسعودية والسعوديين في الإعلام الغربي والعالمي ليتم تصنيفنا كأشرار بالفطرة دون دليل يذكر.

ويعكس هذا الفيلم هذه النظرة المضللة من خلال مشاهد بعيدة كل البعد عن الواقع، مثل تصوير الأفاعي التي تظهر، وتختفي بشكل غير منطقي في الصحراء، ليرسخ فكرة مغلوطة عن بيئة المملكة القاسية وثقافتها.
وهذه الصور النمطية المستندة إلى الخيال فقط تهدف إلى نشر الخوف من طبيعة الحياة في المملكة، بينما يعكس الواقع صورة مغايرة تمامًا، فالمملكة ليست دولة صحراوية معزولة عن العالم، ومليئة بالأفاعي والعبيد، ويعتدي فيها جسديا على العمالة بهذا الشكل الوحشي الذي ظهر في الفيلم دون محاسبة الفاعل لو صحت الرواية .
فمنذ تأسيس المملكة ولله الحمد، يُحاسب كل من يعتدي على أي شخص، ويحال إلي المحاكم، حتى لو كان الفاعل أميرًا من الأمراء.
المملكة يا أغبياء الهند تحكمها شريعة سماوية وأنظمة وقوانين منذ نشأتها، وهي بلد حضاري متطور يتسم بالتنوع الجغرافي والثقافي، ويتعامل مواطنوه بإنسانية مع جميع الوافدين بلا استثناء، فلا تسقطوا واقعكم المريض في الهند علي واقعنا الذي نعرفه جيدا، ويعرفه العالم اجمع .

رغم مزاعم صانعي الفيلم بأنه مبني على قصة حقيقية، فإن الكثير من أحداث هذا الفيلم تتعارض مع واقعنا في الماضي، وفي الحاضر، ويثير العديد من التساؤلات حول صحة الادعاءات التي يقدمها، فعلى سبيل المثال، مشهد الشخص الهندي الذي لم يستغل وسيلة النقل المتاحة للهروب أمراً غير منطقي تماما، ويكشف عن رغبة صناع الفيلم في إظهارنا كأشرار فقط، و هذا التوجه يعكس نمطًا من العنصرية المستترة التي تستغل السينما بشكل عام كقوة ناعمة ووسيلة لنشرها وترسيخها في أذهان الشعوب والشعب الهندي فقط، مما يثير تساؤلات حول الأخلاقيات المهنية التي يلتزم بها صناع الفيلم.

الأسئلة المطروحة حول حقيقة وقوع أحداث هذه القصة في السعودية، وما إذا كانت هناك أدلة تدعم هذا الادعاءات، تكشف النية الحقيقية من وراء إنتاج هذا الفيلم، وهي تشويه صورة السعودية والسعوديين فقط، و هذا النوع من التضليل الإعلامي يستند عادة إلى خيال متعمد هدفه التأثير على الرأي العام العالمي، وإثارة مشاعر العداء تجاه المملكة، فوراء هذا الفيلم، أجندات خفية، سياسية واقتصادية تهدف إلى تقويض سمعة المملكة والسعوديين على الساحة الدولية.

الأجندات السياسية تسعى إلى إضعاف دور المملكة في المنطقة، والأجندات الاقتصادية تهدف إلى تعزيز منتجات وخدمات بديلة من خلال تشويه صورة المملكة، و هذا النوع من الأفلام يمثل أداة فعالة لتحقيق هذه الأهداف من خلال التأثير على التصورات العامة للمشاهدين الذين قد لا يكون لديهم القدرة على التحقق من صحة ما يشاهدونه من سخافات هندية لا يمكن ان تمر مرور الكرام على المشاهد السعودي والعربي .

وأما نظام الكفيل الذي يحاول الفيلم الإساءة إليه فهو نظام مستخدم في عدة دول خليجية بما فيها السعودية، وهو نظام لتنظيم العلاقة بين العامل الأجنبي وصاحب العمل، ويهدف إلى حماية حقوق جميع الأطراف، وأدخلت المملكة عليه العديد من الإصلاحات لتحديث نظام العمل وضمان حقوق العمالة الوافدة إلا ان هذا الفيلم يسعى و بدون منهجية صحيحة إلى تشويه هذا النظام وتصويره كأداة للقهر والظلم لخدمة أهداف توسعية معروفة، ويتجاهل الإصلاحات المهمة التي نفذتها المملكة لتحسين ظروف العمل والمعيشة للعمالة الأجنبية .

باختصار فيلم “حياة الماعز” يمثل استغلالًا للإعلام لنشر الكراهية، وتشويه الحقائق، وابتزاز المملكة، وإبرازها في هذا الوقت بالذات كدولة متوحشة تعيش في القرون الوسطى المظلمة، و من الضروري أن نكون أكثر وعيًا ونقدًا لما يعرض علينا، وأن نرد على هذه المحاولات من خلال توضيح الحقائق وتقديم الصورة الحقيقية عن المملكة ومواطنيها الطيبين الذين يشهد لهم بهذه الطيبة جميع رعايا الدول بما فيهم الوافدون الهنود الذين يعيشون على أراضيها منذ عقود مضت ولم يتعرضوا لمثل هذه الافتراءات السخيفة التي يحاول الفيلم ترسيخها، و من المهم أن ندرك أيضا أن هذا النوع من الأفلام لا يمثل سوى جزء من حملة إعلامية أوسع تستهدف تشويه صورتنا وصورة بلادنا بشكل عام ، وأن يكون ردنا على هذه الخزعبلات والمحاولات متكاملًا وشاملًا من خلال الإعلام والدبلوماسية والثقافة وقوتنا الناعمة التي تستطيع بلا شك دحض هذه الافتراءات بالعقل والمنطق التي لا يستخدمهما الهنود وصناع الأفلام الهندية ما داموا يعبدون بقرة.

رئيس التحرير

 

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫4 تعليقات

  1. وفيت وكفيت استاذنا الكبير محمد ولعل السبب كما ذكرت 👇
    هدفه الأساسي هو تشويه سمعة بلادنا وسمعتنا كمواطنين سعوديين، والافتراء علينا بتقديم صورة مشوهة عنا مليئة بالتحيزات والعنصرية والمغالطات التي لا نقبلها على مملكتنا، ولا على أنفسنا .

    1. الاخ العزيز الأستاذ سلطان المرشدي
      أشكرك على كلماتك الطيبة وتقديرك الكبير.
      نعم، ما أشرتم إليه هو جوهر المسألة، فهؤلاء يسعون بكل جهدهم لتشويه صورة بلادنا الغالية وإظهارنا في صورة لا تمثلنا ولا تعكس حقيقتنا ، نحن بحمد الله نعيش في وطن آمن يعتز بدينه وقيمه، ويعمل بكل طاقته لتحقيق التنمية والازدهار ، و حماية شعبه ﻭ المقيمين على أراضيه ، و لا نعتدي على أحد لم يعتدى علينا قط، و في نفس الوقت لن نسمح لأي جهة أو لأي كائن بأن يعبث بصورتنا و صورة بلادنا المشرفة.

      واجبنا جميعا هو التصدي لمثل هذه الأكاذيب والدفاع عن وطننا بكل ما أوتينا من قوة، سواء بالكلمة، أو بالفعل اذا امر ولي الامر، وبجهودكم وجهود كل المخلصين من أبناء هذا الوطن، سنظل حصنا منيعا ضد كل من يحاول النيل منا.
      أدام الله علينا نعمة الأمن والأمان، وحفظ بلادنا من كل سوء.
      أخوكم
      أبو سلطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى