آفاق في عين العالم

هل شكسبير شخصية حقيقية ؟!

وليد قادري

هل شكسبير شخصية حقيقية ؟!

تقول المفارقة أن عالِماً من عشاق الأدب الشكسبيري تضايق من حديث شكسبير عن استنقاص المجتمع له في زمنه، فقرر أن يبني آلة الزمن والعودة بها لزمن شكسبير حاملاً معه كل أعماله الأدبية ليريه مدى تأثيره على الأدب المعاصر، وحينما وصل وجد شكسبير مجهولاً مخموراً فاقداً الثقة بنفسه في إحدى الحانات، أخذه واستأجر له غرفة وجلب له طعاماً واهتم به إلى أن أفاق ثم عرفه بنفسه وعرض عليه بحماس منقطع النظير جميع الأعمال الشكسبيرية، أعجب شكسبير بما قدمه العالم، فقتله وسرق كل الأعمال وبدأ ينشرها تباعاً إلى أن صار الأسطورة التي نعرفها، السؤال هنا: من الذي كتب روائع شكسبير إذاً ؟!

ولد ويليام شكسبير في منتصف القرن السادس عشر في مدينة ستراتفورد الانجليزية وتزوج من آن هاثاواي (تشابه أسماء مع الممثلة الهوليودية المعروفة)، بدأ حياته كممثل واستغل خبراته في المسرح في العصر الإليزابيثي لكتابة مسرحيات تجذب النبلاء والعامة على حد سواء ويقال أن هدفه كان المال ليصل لمكانة النبلاء في عصره، فكانت مسرحياته خليطاً من كل شيء ليرضي الجميع ففيها لغة شعرية فخمة وحوارات متناغمة أقرب للموسيقى ومعارك وقصص حب وخيانة وسياسة وحتى أشباح وعفاريت..

ولأنه لا توجد معلومات كافية عن ماضيه ولم يطلب توثيق مسرحياته في وصيته الأخيرة فقد شكك بعض المثقفين والأكاديميين في منبع وأصل مسرحياته..

مسرحيات مثل روميو وجولييت وهاملت وماكبث وعطيل وحلم ليلة منتصف صيف والعاصفة وتاجر البندقية ويوليوس قيصر والملك ريتشارد والملك لير والعديد غيرها جعلت المجتمع الأكاديمي الأدبي ينقسم، فالغالبية العظمى تقدس عمل شكسبير ككلاسيكيات جديرة بالاهتمام والدراسة وحتى تم تمثيلها عبر القرون والعصور في كل دولة تقريباً إلى أن وصلت للسينما التي أعطتها حقها البصري من الجودة كما هي جودة كلماتها..

أما القلة فقد شككوا في أن رجلاً مجهول الأصل مثل شكسبير كان قادراً على إنتاج هذه المسرحيات، منهم من شكك في وجوده في الأساس وقال أنه شخصية خيالية ابتكرها أحد النبلاء الانجليز لتكون واجهة لأعماله، حيث أن الوسط المخملي لم يكن ليرضى بأن يكون أحد افرادها منتمياً لمسرح يحرم حتى تمثيل النساء على خشبته حيث كان يقوم الرجال بتمثيل الأدوار النسائية وقد تم تمثيل هذه الأجواء في فيلم Shakespeare in love..

وهناك مجموعة يطلق عليهم (ضد ستراتفورد) ومنهم الأديب الأميركي مارك توين والممثلين أورسون ويلز وتشارلي تشابلن والطبيب فرويد ويرون أن سيد وإيرل أكسفورد النبيل إدوارد دي فير هو الكاتب الحقيقي وما شكسبير إلا واجهة لا غير، وقد جسدت الأحداث لاحقاً في فيلم Anonymous..

قالوا أيضاً أنه من الممكن أن يكون السير فرانسيس بيكون أحد من أثروا في عصر النهضة أو كرستوفر مارلو الذي أسس محبوه (مجتمع مارلو) ليثبتوا أنه هو من كتب لشكسبير كما فصل ذلك الكاتب والأكاديمي في جامعة كولومبيا جيمس شابيرو في كتابه (من كتب شكسبير ؟!)، وقد أقيمت محاكمة في منتصف الثمانينات في نيويورك عن هذا الاتهام وكتبت عنها جريدة النيويورك تايمز في عدد عنونته بنفس العنوان مما سبب ضجة واسعة..

كاتب آخر يدعى جون هدسون ادعى أن من كتب مسرحيات شكسبير أصلاً امرأة من أصل ايطالي تدعى أميليا باسانو وكانت عشيقة للورد تشامبرلين المسؤول عن المسرح الانجليزي في ذلك الوقت، ونظراً لأصلها اليهودي والايطالي وتنقلها في أوروبا استطاعت نقل الأفكار وصياغتها بعكس شكسبير الذي لم يغادر انجلترا في حياته..

بل وصل التطرف أن الزعيم الليبي الراحل القذافي نُسب إليه أنه قال أن شكسبير من أصل عربي واسمه الشيخ زبير !!..

وأنا في صغري وبداية عملي كمعلم كنا نقرأ عن هذه الأعمال في منهج اللغة الانجليزية للصف الثالث ثانوي في السعودية التي أعدته أرامكو قبل تغييرها للمناهج الحالية، وبقدر صعوبة لغتها الشعرية إلا أنها ممتعة وخاصة أن العديد من الكلمات الحالية في اللغة الإنجليزية اخترعها شكسبير ولعلك عزيزي القارئ ستستمتع بالبحث عن هذه الكلمات..

إن لم تقرأ أو تشاهد عملاً لشكسبير قبل قراءة هذا المقال فلعلك تبدأ بهذه الأعمال الخفيفة والرائعة وتتدرج لأن تشاهد جميع أعماله التي جسدها العديد من النجوم الحاليين كآل باتشينو ودينزل واشنطون وكينيث براناه وميل جيبسون وليوناردو دي كابريو مثل تاجر البندقية the merchant of venice وحلم ليلة منتصف صيف a midsummer night’s dream و العاصفة the tempest و روميو وجولييت Romeo and juliet..

نعود للسؤال الافتراضي في المفارقة أعلاه:
الإجابة النموذجية تقول أن من كتب مسرحيات شكسبير هو شكسبير 1، لأنه عندما عاد العالم في الزمن وحاول تغييره فقد خلق واقعاً بديلاً وقابل شكسبير 2 الذي قام بقتله ونشر الأعمال باسمه..

أما السؤال الفعلي عمن كتب مسرحيات شكسبير فلا يهمني كثيرا ويكفيني الاستمتاع بهذه الروائع قراءة ومشاهدة جمل خالدة مثل قول هاملت (أكون أو لا أكون، هنا تكمن المعضلة) – وقول قيصر (حتى أنت يا بروتوس)..

كاتب ر

وليد قادري

كاتب رأي وقاص

‫4 تعليقات

  1. كاتب الصحيفة المبدع الأستاذ/ وليد قادري :
    مقالك هذا يعكس عمق المعرفة بشخصية هذا الكاتب العظيم وأثره في الأدب المسرحي .
    لقد أحسنت في إبراز التنوع الغني لمسرحياته وقدرته على جذب جميع فئات المجتمع . تساؤلاتك حول أصله تعكس التحديات التي يواجهها النقاد في فهم عبقريته ، مما يضيف طبقة مثيرة للنقاش حول إرثه الأدبي .
    شكرا لمشاركتك لنا هذه الرؤية الممتعة👍

  2. شكرًا أخي المكرم وليد على المقال الذي أعادني إلى سنوات الجامعة في مطلع الثمانينات الميلادية، حيث كنت معتقد بصدقية مجموعة الضد ستارفوردينين ( نسبة إلى مقاطعة ستاسفورد في انجترا)، التي اعتمدت بالدرجة الأولى على كونه لا يملم من الشهادات العلمية ما يؤهله لصناعة ذلك الأدب الراقي، والشعرية الفياضة، بل وتوليد مفردات إنجليزية جديدة، لكن الحقيقة، أن الجماعة جانبت الصواب، واعترف بعض افرادها بغيرتهم من الانتاج العظيم، والكثيف لرجل لم يكن من النبلاء ولا من الاكاديمين، وهذه حجج يدحضها الواقع، على الأقل واقعنا الذي نعرفه ممثلا في أبي العلاء المعري فيلسوف الفلاسفة، وفي العصر الحديث العقاد وغيرهم. شكسبير عند الأكاديمين الكبار، هو نفسه شكسبير ابن جون صانع القفازات، وماري أردن ابنة اقطاعي وركشير، وهو بلا أدنى شك من الذين تعلموا في مدرسة ( كنجز نيو سكول) مدرسة الملك الجديدة، الشهيرة، ومسجل في سجلاتهم كطالب بارع، ومميز في اللغة والشعرية، وكان بارعًا في منهجية التريفيرن، وعلوم الاقناع والكلاسيكية.

    هذا ولك التحية على هذا الطرح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى