كُتاب الرأي
في ذاكرة الروح

سويعد الصبحي
في ذاكرة الروح
ليست كل الذكريات تُكتب بالحبر بعضها يُنقش في الوجدان يمر الزمن فوقها ولا يمحوها بل يزيدها وضوحًا وألمًا…
من بين كل الوجوه التي عبرت والأصوات التي غابت هناك وجهٌ واحد صوتٌ واحد ظلّ ثابتًا في ذاكرة لا يشيخ فيها الحنين: وجه الأم.
رحلت أمي لا عن هذه الدنيا فقط بل عن أيامٍ كنت أحتاجها فيها أكثر من أي وقت مضى.
رحلت وأنا في عزّ شبابي لا زلت أُعيد ترتيب نفسي أُمسك بالحياة من أطرافها المرتبكة وأنتظر يدًا تُربّت على كتفي وتقول لي: (أنا معك) … لكنها اختفت.
أمي كانت وطنًا حضنًا آمنًا في وجه عواصف الدنيا كانت ذلك الصوت الذي يُنادي باسمي وكأن لا أحد في هذا العالم سواي.
كانت نبضًا يمشي على الأرض فإذا ما غابت خفَتَت الحياة في عيني وتلاشت ألوانها.
حين رحلت لم أفقد شخصًا… بل فقدت الشعور بالاكتمال.
لم تعد هناك من تنتظرني بقلق ولا من تُخبئ في دعائها اسمي كل ليلة.
لم تعد هناك من تُربكها حرارة جبهتي أو تراني متعبًا دون أن أتكلم.
أدركت حين غابت أن الحياة لا تُدار بالمنطق وأن الحزن ليس مرحلة بل إقامة طويلة.
غيابها لم يكن لحظة دفن فقط بل لحظة تشققت فيها روحي وبقيت أبحث عن شطرها المكسور في كل صباح.
أشتاق لها في اللحظات البسيطة:
عند شرب القهوة حين أُشفى من مرض عند سماع دعاء أمٍّ لابنها عندما أنجح في أمرٍ تمنيت أن تراه.
الناس يقولون: (الزمن كفيل بالنسيان )لكنهم لا يعرفون أن الأم حين ترحل لا تُنسى بل تتحول إلى وجعٍ نبيل نُخفيه بابتسامة ونعيشه في كل لحظة بصمت مؤلم.
في ذاكرة الروح، لا تموت الأمهات
قد تموت الأجساد لكن أرواح الأمهات تبقى تسكننا تُضيء عتماتنا وتربت على قلوبنا حين تشتد قسوة الأيام.
أراها في ملامحي في صوتي حين أهدأ في دعائي حين أُجهد في دموعي التي تنهمر بصمت حين أشتاق.
ما زلت أكتب لها أشتكي لها أُهدي نجاحي لها وأسأل الله أن يبلغها صوتي أن تقرأ كلماتي وتعرف كم كنت وسأبقى محتاجًا إليها.
رحمكِ الله يا أمي بعدد ما تفتقدك روحي بعدد اللحظات التي بكيت فيها دون أن يسمعني أحد.
جعل الله قبرك روضةً من رياض الجنة ونوّر دربك كما نوّرتِ دربي يومًا.