الاحتياجات النفسية للإنسان تُعدّ من أهم المتطلبات الأساسية التي تسهم في تحقيق توازنه وسعادته ، هذه الاحتياجات ليست ثابتة بل تختلف باختلاف المرحلة العمرية والبيئة والثقافة ، لكنها تتشارك في جوانب أساسية تتطلب الإشباع لنمو نفسي سليم يكفل السعادة والشعور بالرضا في هذه الحياة ، وقد تحدثنا في مقالنا السابق عن حاجة الفرد النفسية من(الحب والانتماء- التقدير والاحترام – الأمن والاستقرار- الدعم العاطفي والاجتماعي- الحرية الفكرية والاستقلال بالرأي)
لنكمل هذه الاحتياجات في مقالنا هذا:
٦- الحاجة إلى (التقدير الذاتي):
قدّر الله تعالى النفس البشرية عندما خلقها ، وألبسها لباس التكريم والتقدير قال تعالى :(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء (70)..
وجعل وكفل الله سبحانه وتعالى مقياس التقدير الذاتي للفرد بالتقوى قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات (13)..
تقدير الذات هو شعور الشخص بقيمته وكرامته وتحرر أفكاره وإبداء آرائه بكل حرية ، مما يكفل للفرد تحقيق الأهداف الشخصية والإحساس بالقدرة على الإنجاز والشعور بالسعادة والرضا والراحة عند النجاح ، تقدير الذات يُعدّ شيئاً أساسياً وحاجة مُلحّة لتحقيق النمو النفسي للفرد..
٧- الحاجة إلى (تحقيق الذات):
لن يُحقق الفرد ذاته إلا من خلال العمل عليها منذُ الصغر بالتعليم والتعلُّم واكتساب المهارات والمعارف المتنوعة وصقل الفرد شخصيته وشحنها بالوعي والإدراك ، للوصول بها للنضج الكامل..
الإنسان الواثق بنفسه لديه القدرة على حسن إدارة ذاته ، ومواجهة المواقف الحرجة ، وتجاوز العقبات ، والثقة بالنفس من العوامل الهامة التي تمكن الفرد من الانفتاح على الآخرين ، وحسن التواصل معهم..
الإنسان بطبيعته يسعى لتحقيق أحلامه وآماله وطموحاته وذلك من خلال البحث عن إمكانياته وقدراته الإبداعية والسعي الدائم لتطوير نفسه وتوظيف مهاراته وإمكانياته إلى أقصى حد ممكن بدون ملل أو توقف من أجل تحقيق أهدافه..
فهذا النوع من الاحتياج (تحقيق الذات) يُشبع شعور الإنجاز والنجاح وتحقيق الأهداف داخل النفس وبالتالي يكفل لها الراحة والسعادة والرضا الذاتي..
٨- الحاجة إلى (التعبير عن الذات):
التعبير عن الذات من خلال (المهارات الإبداعية) التي يمتلكها الفرد كموهبة يمتلكها ويطورها ، من خلالها يستطيع التعبير عن أفكاره الذاتية وإشباع حاجته النفسية ، مثل : اتقان فن الخطابة والمحاورة والمناقشة الهادفة مع المحيط الخارجي ، وفن الكتابة بشكل عام للتعبير عن ذات الفرد وأفكاره ، فن الرسم والتشكيل والنحت لإيصال رسالة ما للعالم الخارجي ، فن الموسيقى والإنشاد ، فن التمثيل والاستعراض ، أو أي شكل آخر من أشكال التعبير ، يُساعد الفرد في توضيح مشاعره وأفكاره ، مما يساهم في الشعور بالراحة النفسية والتحرر من الضغوط..
٩- الحاجة إلى (التوازن بين العمل والراحة):
إذا استطاع الفرد التوازن بين الأنشطة اليومية التي يقوم بها وخاصة (العمل ، احتياجاته الخاصة والأسرة ، الترفيه والاستجمام الخاص به) فهو بهذا التوازن سيصل لمستوى عالي من الشعور بالسعادة والرضا الداخلي الذي يُساعده في تقليل التوتر والضغط والحفاظ على صحته النفسية..
١٠- الحاجة إلى (المعنى والهدف من الحياة):
من الجانب النفسي تعتبر هذه الحاجة هي الأساس في بناء نفس سوية تستطيع العيش والوقوف في وجه الحياة على أرض صلبة ، قال تعالى في سورة الذاريات الآية 56:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، من خلال هذه الآية الكريمة جعل الله للفرد نهج ومعنى ومغزى وقيمة لحياته ، فقد خُلق الإنسان في هذه الحياة وهو يعلم هدفه وغايته منها وهي عبادة الله سبحانه وتعالي وتكليفه باستخلاف هذه الأرض وعمارتها..
هذا الشعور يحتاجه الإنسان ، نعم يحتاج أن يشعر بأن حياته ذات قيمة ومعنى وهدف مُحدد كتبه الله له ، وأن لديه أهدافاً خاصة به يسعى لتحقيقها ، وجود هذه الغايات والأهداف يجعل الفرد أكثر قدرة على تجاوز صعوبات هذه الحياة ، وانجاز أهدافه وغاياته يجعله في حالة من الرضا والسعادة والشعور بالتحفيز المستمر لإكمال مسيرة الحياة بنفسية مستقرة ..
كل ما سبق في هذا المقال وما سبقه من مقالات(الحب والانتماء- التقدير والاحترام – الأمن والاستقرار- الدعم العاطفي والاجتماعي- الحرية الفكرية والاستقلال بالرأي- التقدير الذاتي- تحقيق الذات-التعبير عن الذات- التوازن بين العمل والراحة- المعنى والهدف من الحياة)
يُعتبر من الاحتياجات النفسية التي تحتاج إلى اشباع ، واشباعها يُعدّ أساساً في تحقيق صحة نفسية متوازنة وحياة مليئة بالرضا والسعادة والنجاح..
أحلام أحمد بكري
كاتبة رأي
