في لقاء حصري لـ “آخر أخبار الأرض” .. عضو مجلس الشورى د. إيمان بنت عبدالعزيز الجبرين

حوار رئيس التحرير / محمد علي الفريدي
اعزائي القراء يسرنا اليوم في صحيفة “آخر أخبار الأرض” الإلكترونية أن نرحب بالدكتورة إيمان بنت عبدالعزيز بن حمد الجبرين، عضو مجلس الشورى وأستاذة تاريخ الفن المساعد بكلية التصاميم والفنون في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن.
الدكتورة إيمان من الشخصيات البارزة في مجال تاريخ الفنون الحديثة والمعاصرة، ولها إسهامات عديدة في تطوير تعليم الفن التشكيلي والمشاركة في تقييم المعارض الفنية المحلية والدولية ، نرحب بالدكتورة ايمان في هذا الحوار الحصري الذي سيأخذنا في جولة مع سعادتها حول رؤيتها لمستقبل الفنون التشكيلية في المملكة ودورها القيادي في النهوض بالمشهد الفني والثقافي ﻭ الاجتماعي .
- ما الذي دفعكِ دكتورة للاهتمام بتاريخ الفنون الحديثة والمعاصرة، وكيف كانت تجربتكِ في دراسة هذا التخصص؟
ج / تعرفت على مادة تاريخ الفنون للمرة الأولى حين التحقت بالجامعة فوقعت في غرامها رغم أنها كانت تدرّس لنا بطريقة مملة وعلى يد أستاذ غير متخصص، لكنني وجدتها جامعة لأهم مجالين أحببتهما منذ الصغر وهما الفنون التشكيلية والقصص. وحين ذكرت للمرة الأولى عند تخرجي رغبتي في دراسة هذا التخصص في الماجستير واجهت الاستنكار من رئيسة القسم آنذاك ومن زميلاتي لاكتسابها سمعة بأنها مملة بسبب تدريس الزملاء الأساتذة لها عن طريق الشبكة التلفزيونية المغلقة، كما أن انعدام برامج الدراسات العليا في هذا التخصص فرض عقبة إضافية لم أتوقع أن أتجاوزها.
اضطررت للرضوخ آنذاك للظروف فدرست ماجستير التربية الفنية، لكن الله سبحانه وتعالى وفقني بالحصول على قبول مباشر لدراسة الدكتوراه في أحد الجامعات البريطانية المرموقة في تخصص تاريخ الفنون لأتم دراستي فيه وأعود للوطن حاملة على عاتقي مهمة نشر هذا العلم.
- كيف أسهمتي في تطوير منهج تدريس تاريخ الفنون في جامعة الأميرة نورة؟
ج / لا توجد حتى الآن برامج بكالوريوس في تخصص تاريخ الفنون، لكن من حسن حظي أن شاركت بتطوير مقررات تاريخ الفن الحديث والمعاصر في جامعتي، فقمت بإعادة كتابة المنهج والمحاضرات وتحديث المحتوى بما يتناسب مع عصرنا الحالي، كما حاولت سد بعض الثغرات الموجودة فيه حيث أدخلت إليه مهارات كتابة المقال الفني والتحليل بما يساعد الطالبات على التحدث عن أعمالهن الفنية والكتابة عنها وشرحها للجمهور. وقد لقيت هذه المقررات قبولاً واسعاً ولله الحمد لاعتمادي فيها على اللغة البسيطة والميسرة والصور الجاذبة مما جعل عدد من الزميلات والزملاء في جامعات شقيقة يستعينون بها في تدريس طلبتهم ايضاً.
- بصفتكِ عضوا في مجلس الشورى، كيف ترين دورك في المجلس في تحسين جودة الحياة في المملكة؟
ج / من أهم الأدوار التي تقع على عاتق مجلس الشورى الدور الرقابي الذي يمارسه للتأكد من التزام مؤسسات الدولة بتحقيق مستهدفاتها وجودة خدماتها المقدمة للمواطنين والمقيمين بشكل عام، ووضع التوصيات للتحسين ورفع مستوى الأداء في حال وجود قصور، كذلك كفاءة الإنفاق مع جودة التنفيذ في المشاريع التي تقدمها مؤسسات الدولة لتحقيق الاستدامة فيها. فعلى سبيل المثال حين نتابع مستوى توظيف وتدريب المرأة نحن نساهم بشكل مباشر في زيادة دخل الأسرة وخفض معدل البطالة، وهذا ظهر جلياً في خطاب خادم الحرمين الشريفين السنوي الذي ألقاه نيابة عنه سمو سيدي ولي العهد، حيث أشار إلى انخفاض تاريخي في معدل البطالة وارتفاع نسبة تملك المساكن، كما أشار إلى ارتفاع عدد السياح في المملكة وهو يشمل السياح من الداخل أي أن رفاهية الأسرة وجودة حياتها ارتفع ولله الحمد بسبب تظافر الجهود التشريعية والرقابية والتنفيذية.
- كيف تعتقدين أن الفن التشكيلي يمكن أن يعزز من القيم الثقافية والهوية الوطنية؟
ج / الفن التشكيلي قوة ناعمة لا يمكن الاستهانة بها، فالصورة عن ألف كلمة، ويمكن أن يفهمها الجميع، كما انها أسرع في إيصال الرسالة. والفنون بشكل عام تحمل هذه السمة، فلوحة أو أغنية أو مشهد تمثيلي وطني قد يؤثر في الصغير قبل الكبير ويزرع فيه شعوراً بالانتماء والفخر واللحمة أكثر مما تزرعه محاضرة وطنية عظيمة. الفنون لغة تخاطب القلوب وتدخل إليها بلا استئذان.
- ما هي أبرز التحديات التي تواجه الفنانين التشكيليين في المملكة اليوم، وكيف يمكن التغلب عليها؟
ج / أعتقد أن أهم تحدّي يواجه الفنانين اليوم هو عدم وجود صالات عرض فنية كافية ومحترفة لتتولى الجانب الإداري والتسويقي له، الأمر الذي أجبر الكثير من الفنانين على تولي هذا الجانب ففرض عليهم ضغوط نفسية ومالية، كما أنه عطّل نمو شريحة المقتنين الفنيين، لأنها شريحة يحتاج الوصول إليها إلى خطة تسويقية احترافية وتفرّغ قد لا يملكه الكثير من الفنانين.
- كيف أثرت تجربتكِ في بريطانيا على رؤيتكِ للفن التشكيلي والتعليم الفني في المملكة؟
ج / الحقيقة تجربتي في بريطانيا عززت لدي الثقة بالنفس، حيث جعلتني أدرك بأننا لسنا متأخرين عن الركب كما كنت أظن خطاً في السابق، بل على العكس، من حسن حظنا أننا نعيش في عصر مازالت فيه الفنون ناشئة لأن ذلك سمح لنا بالمشاركة في تشكيل الحراك الفني كما نحلم ونتمنى. وقد ساعدت التقنية والانفجار المعرفي على أن نلحق بالركب ونعوّض نقص المؤسسات التعليمية لدينا لذلك أصبحت أكثر ثقة كما ذكرت.
- ما هي الفروق بين البيئة الفنية في المملكة وتلك التي شهدتها أثناء دراستكِ في الخارج؟
ج / بكل صدق وأمانة البيئة الفنية في الخارج طاردة جداً، وذلك لوجود منافسة عالية بين الفنانين دفعت بالكثير منهم إلى الخروج عن المألوف لدرجة القبح المستنكر على جميع الأصعدة. ناهيك عن عمليات تغسيل الأموال التي شاعت في بعض المدن الفنية العالمية وسبب إحباط الكثير من الفنانين.
- من خلال عملكِ كمستشارة فنية، كيف ترين تطور الفن التشكيلي السعودي على المستوى المحلي والدولي؟
ج / نحن نعيش حالياً مرحلة التعلم بالمحاولة والخطأ، ليس لنقص في خبراتنا المحلية وإنما لفرادة وتميز مشاريعنا الفنية الكبرى، ولا نكتفي بالاعتماد على التوقعات النظرية فقط، الأمر الذي أعتقد أنه سيساعدنا في المستقبل القريب على أن نكون نموذجاً يحتذي به ونقدم خبراتنا الناتجة من تجاربنا لدول الجوار على الأقل إن لم يكن للعالم، خاصة وأن معظم المستشارين ومخططي المشاريع الحالية هم سعوديين حتى وإن كانت الشركة المنفذة للمشروع أجنبية وبالتالي ضمنّا توطين الخبرة ونقلها. خذ على سبيل المثال احتفالية نور الرياض التي كانت أكبر احتفالية لفنون الضوء في العالم والهدف منها إبراز جمالية مدينة الرياض، تم الاستفادة منها في استحداث احتفالية (منار أبوظبي).
- كيف ساهمتِ في تقييم المعارض التشكيلية، وما هي معايير النجاح التي تعتمدينها في تقييم الأعمال الفنية؟
ج / تختلف طريقة التقييم الفني حسب طبيعة المشروع والوقت المتاح له، فأحياناً يتم ابتكار وتخطيط رسالة المعرض بناء على الأعمال الفنية المختارة للعرض، وأحيانا يحدث العكس حيث يتم كتابة الفكرة ومن ثم تكليف الفنانين باستلهامها في أعمال جديدة. لكني بشكل عام أعتمد على عدة معايير أؤمن بأنها ليست فقط مسؤولية مهنية وإنما معايير ضامنة لنجاح المعرض بإذن الله: أولها/ أن اخطط رسالة المعرض بطريقة تخدم أهداف ورسالة الجهة الراعية له، ثانياً/ أحرص أن يكون المعرض شاملاً بأن يقدّم للجمهور فنان من كل جيل بدءً من الرواد وحتى الفنانين الناشئين، ثالثاً/ أحرص على تقديم معلومة تاريخية تعمّق استمتاع الجمهور بالمعرض وانتمائهم للمكان أو المناسبة، رابعاً وأخيراً/ أكون على تواصل شخصي ومستمر مع الفنان بدء من طرح الفكرة وحتى تركيب العمل لأني اعرف أنه يمر بتقلبات نفسية ومزاجية قد تؤثر على سير العمل وأنه بحاجة مستمرة للتشجيع والدعم النفسي والاهتمام.
- ما هو دور المرأة السعودية في مجال الفنون التشكيلية، وكيف يمكن دعم حضورها؟
ج / الحقيقة المرأة السعودية كانت مشاركة للرجل منذ البدايات، حيث جاء معرض الراحلتين صفية بن زقر ومنيرة موصلي بعد أول معرض للفنان عبدالحليم رضوي بثلاث أعوام فقط. لكن اعتقد ان دعم حضور الفنانة التشكيلية اليوم يتطلب أن تتم مراعاة طبيعتها المحافظة وأن يتم الاختيار بناء على جودة الاعمال واحترافيتها وليس على المعرفة الشخصية والعلاقات، فهناك الكثير من الشابات والسيدات المبدعات اللاتي يمنعهن الحياء والعادات من حضور المعارض، وأعتقد أنها قد تكون مشكلة لدى عدد من الفنانين أيضاً لطبيعة الفنان المنعزلة والبعيدة عن الصخب.
- كيف ترين مستقبل التعليم الفني في المملكة في ظل رؤية 2030؟
ج / تمتاز المملكة بالتطوير المستمر في التعليم، و مشاريع الرؤية ساهمت في إحداث قفزة نوعية من خلال إضافة دروس ومقررات جديدة للجيل الناشئ مستقبلا وتعود إن شاء الله بمزيد من النفع، اذكر على سبيل المثال تعليم اللغة الصينية الذي سيفتح باب واسع على الثقافة والفنون الصينية لك يكن متاحا من قبل وسيؤثر بشكل أو بآخر على الحراك الثقافي والفني.
- بصفتكِ مقيّمة فنية للعديد من المعارض الدولية، ما هي أهم المعارض التي شاركتِ بها، وكيف كانت التجربة؟
ج / اعتقد أن أهم معرض قمت بتنسيقه وشكّل نقلة في مسيرتي المهنية هو تنسيق الجناح الوطني في بينالي البندقية عام 2019م، حيث تحقق فيها حلم كنت أسعى لتحقيقه منذ عام 2013م حين شاركت في ذات البينالي كفنانة وعقدت العزم على العودة إليه كقيّم فني. وقد أضافت لي هذه التجربة الكثير من الخبرة في مجال تصميم المعارض وتنفيذها. كما شاركت أيضاً في الاجتماع 170 للجمعية العمومية للمكتب الدولي للمعارض في باريس وتشرّفت بإلقاء كلمة نيابة عن القطاع الفني والثقافي وهو أول اجتماع للتعريف بملف المملكة أثناء فترة ترشّحها لاستضافة اكسبو 2030.
- كيف ترين دور التكنولوجيا والفنون الرقمية في تطوير الحركة الفنية في المملكة؟
ج / لا شك أن التقنية لعبت دوراً كبيرا في تطوير الحراك التشكيلي في المملكة ليس فحسب من جانب التدريب والمعرفة، بل أيضاً في جانب التنفيذ حيث أتاحت للفنانين وسائل جديدة للتعبير الفني.
- ما هو المشروع الفني الذي تتطلعين لتحقيقه في المستقبل القريب؟
ج / أعمل حالياً ضمن فريق كبير على أحد المتاحف الكبرى التي سيعلن عنها لاحقاً، ويعتبر هذا الأمر تحدي جديد وخبرة جديدة أضاف الكثير من الحماس على عملي حيث لم يسبق لي المشاركة في تنسيق مقتنيات متحف.
- بماذا تنصحين الشباب السعوديين المهتمين بدراسة وتطوير الفنون في المملكة؟
ج / أنصح بأن يتبع الشباب شغفهم وأن يكونوا صادقين مع أنفسهم بتنفيذ خططهم واهتماماتهم بغض النظر عن السائد من حولهم لأن هذا هو الضمان الوحيد بعد الله بأن يصنعوا مستقبلاً مختلفاً وفريداً لأنفسهم، فكما ذكرت سابقاً بأنني حين اخترت اختصاصي في بداية مسيرتي المهنية لم أهتم بتعليقات من حولي وآمنت بصدق أن هذا الطريق هو طريقي لأنني أحبه واستمتع به وهو ما ساعدني على التميز والاختلاف والتأثير على الآخرين من بعدي ليصبح مجالاً محبوباً وممتعاً لهم أيضاً.
في ختام هذا اللقاء، نتوجه بخالص الشكر والتقدير لسعادة الدكتورة إيمان الجبرين، عضو مجلس الشورى، على وقتها الثمين ومشاركتها الثرية في مجال الفن التشكيلي ، و إسهاماتها التي تشكل دعامة أساسية في مسيرة تطوير الفنون التشكيلية والتعليم الفني في المملكة، و نترقب بفخر لمزيد من إنجازاتها وجهودها المتميزة في تعزيز مكانة الفن التشكيلي السعودي وإبرازه على الساحة الاقليمية والدولية.