نهج السعادة .. احتياجات (الجانب الروحي) 1

١٤
(نهج السعادة)
……..
كفل الدين الإسلامي للفرد حاجته الروحية منذُ بدء ولادته روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ، ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم” ، لهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، ولم يقل: “أو يسلمانه” لأنه يولد مسلما ، ويؤيد ذلك ما في رواية مسلم قال: وفي رواية أبي كريب عن أبي معاوية: ليس من مولود يولد إلا على الفطرة ، حتى يعبر عنه لسانه ، في رواية أخرى له من حديث ابن نمير: ما من مولود يولد إلا وهو على الملّة..
وتفسير قول: فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، يعني: يدعونه إلى ذلك ويربونه على الشرك فيخرج عن الفطرة بسبب تربية والديه على اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو غيرها من أنواع الديانات الأخرى ، وقد يربيه غير والديه أيضًا ممن يتولى تربيته من أعمامه وأقاربه وأخواله عند فقد والديه ، وقد ينشأ في بيئة فيتربى على ما يربونه عليه، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم عن الله جل جلاله في الحديث القدسي أنه قال: “إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا”..
من هذا المنطلق نبدأ حديثنا عن احتياجات الإنسان الروحية التي تشير إلى الجوانب النفسية والمعنوية التي تلبي رغبة الإنسان في إيجاد معنى وهدف لحياته ، والشعور بالارتباط بشيء أكبر من ذاته..
تتنوع هذه الاحتياجات وفقًا للثقافة والمعتقدات ، لكنها تشمل عمومًا:
١- الإيمان والاعتقاد:
الحاجة إلى الإيمان بمبدأ أو قوة عُليا تمنح الحياة معنى وغاية ، البحث عن الطمأنينة من خلال المعتقدات الدينية أو الفلسفية هذا ما تريدهُ الروح والنفس الإنسانية..
ما يميز الفرد المسلم عن بقيّة الأفراد المولودين في أُسر من طوائف دينية مختلفة ، أنه مولود ولديه حقيقة ساطعة الوضوح لا يحتاج للبحث والتقصي ولا يعتريه الشك والتذبذب في هويته الروحية الدينية ، يولد المسلم على الفطرة وأسرتهُ تتكفل بجانبه الروحي وترشده لخالقه العظيم الله سبحانه وتعالى وتوضح له العبادات الخاضعة للخالق وتُعلّق قلبه وروحه بالله وتجعله يعيش ويتعايش في هذه الحياة باعتقاد ديني راسخ وايمان عميق بوجود الله سبحانه وتعالي ، وهذا الشيء يكفل للفرد الراحة الروحية والاستقرار النفسي في حياته مع الشعور بالسعادة والرضا..
يقول العالم الدكتور مصطفى محمود في كتابه الروح والجسد :(أما الإنسان فلم يُقذف به إلى الكون بلا عناية ، بل بالعكس هو الصحيح ، فالعناية الإلهية حفت به من لحظة ميلاده ، بل من لحظة تكوينه في رحم أمه ، فالعناية سلَّحتْه بجميع وسائل الدفاع التي يحتاجها ، سلَّحته بالسمع والبصر واليد والعضل والحيلة والذكاء والعقل)..
٢- البحث عن المعنى والغاية من الحياة:
هذه الحاجة الروحية يحتاجها الفرد في السعي لفهم دوره في الحياة والكون ، مع رغبته في ترك أثر إيجابي أو إرث روحي بعد الموت ..
يقول العالم الدكتور مصطفى محمود في كتابه الروح والجسد:(ما أعجب تلك النفس التي في داخلنا..!
فيها من النار: “الشهوة والجوع والغضب والحقد والحسد
والغل”..
وفيها من النور: «العفو والتسامح والحلم والفهم والحنين إلى النور الأعظم الذي جاءت منه».
فيها من الطين: “الآلية والتكرار والجمود والرتابة والقصور الذاتي والخمول والكسل والعجز عن التغيير والتثاقل والتهابط”..
وفيها من الروحانية: “الانطلاق والحرية والشفافية والابتكار والخلق والإبداع والخيال والجمال”..
وهي لا تولد نارية ولا نورية ولا طينية ولا روحية ، وإنما تولد مجرد إمكانية قابلة للصعود أو الهبوط إلى أيٍّ من هذه المراتب)..
الله جل في عُلاه بين الحقيقة الواضحة في غاية الفرد في هذه الحياة قال تعالى في سورة الذاريات ، الآية 56: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)..
قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)سورة الملك اية 2..
قال تعالى:(من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون){النحل:97}..
إذاً المعنى الحقيقي في هذه الحياة هو عبادة الله والعمل الطيب الصالح..
قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحُ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمْلَاقِيهِ).
(الانشقاق: ٦)
كلنا كادحون إلى اللّٰه زحفًا..
بينما الغاية النهائية لهذه الحياة السعي في اعمارها وبنائها واستخلافها بالذرية الصالحة كما رغب الله سبحانه وتعالى في ذلك ، قال تعالى:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ) سورة البقرة اية 30..
الفرد المسلم على وضوح وبينه من سبب وجوده في هذه الحياة ، فهو أكثر استقرار روحي ونفسي من غيره من الأفراد الذين ينشؤون في مجتمعات مختلفة العقائد ، وهذا الشيء يكفل له الرضا والقناعة ويدخل الشعور بالراحة والسعادة والطمأنينة على قلبه..
…..
الكاتبة / أحلام أحمد بكري