كُتاب الرأي

الرحلة قصيرة وكلنا راحلون

سويعد الصبحي

 

الرحلة قصيرة وكلنا راحلون

في زحمة الأيام وتسارع الساعات نلهث خلف أحلام مؤقتة ونركض في طرقات الحياة كأننا سنخلد فيها. نخطط ونبني ونجمع ونغفل – أو نتغافل – عن حقيقة ثابتة لا تتبدل: أننا راحلون.

الحياة الدنيا مهما طالت قصيرة. 

ومهما زخرفت نفسها لنا تبقى رحلة عابرة ومجرد محطة في طريق أطول وأبقى. 

نُولد فيها بصرخة ونودّعها بصمت

وبين الصرخة والصمت تُكتب قصتنا وتُسجّل أعمالنا وتُختبر قلوبنا.

(وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) هكذا وصفها القرآن الكريم لا احتقارًا لها ولكن تحذيرًا من الاغترار بها. 

فليست الدنيا مذمومة في ذاتها ولكنها تصبح خطرة حين تكون الغاية لا الوسيلة.

كثيرون مرّوا في حياتنا بعضهم تركوا أثرًا لا يُنسى…

ولعل من أقرب الأمثلة إلى قلوبنا زميلنا العزيز ((أبو طارق)) ذلك الرجل البسيط في كلامه العظيم في فعاله. 

ما من صباح إلا ونراه يدخل مبتسمًا يحمل في يده دلة القهوة وصحن التمر يمر بها على زملائه واحدًا واحدًا في مشهد نقيّ من الأخوّة واللطف.

لم يكن يطلب شيئًا سوى أن يبدأ الجميع يومهم بابتسامة. 

لم تكن القهوة مجرد عادة بل كانت لغة محبة وصلة وروحًا تسري بيننا.

وفي لحظة… غاب أبو طارق كما يغيب الطيبون فجأة 

رحل في صمت كما كان يأتي في هدوء لكن أثره بقي…

نراه في ركن الطاولة في دفء الذكرى في كل فنجان يُصبّ وفي كل دعوة نرفعها له بالرحمة والمغفرة.

فالحياة لا تُقاس بطولها بل بعطائها.

وها هو أبو طارق وإن رحل بجسده إلا أن حضوره لا يزال بيننا ببصمته البيضاء.

نحن في هذه الدنيا ضيوف على مائدة الوقت وكل ضيف له موعد انصراف. 

السعيد هو من عرف أنه مسافر فاستعدّ. 

والمغبون من ظن أنه مقيم فأهمل وتكاسل.

اجعل من حياتك أثرًا لا مجرد عمر. 

ابتسم سامح تجاوز ازرع خيرًا 

فغدًا لن يبقى إلا العمل الطيب والدعاء الصادق.

واذكر دومًا أن القبر أول منازل الآخرة والزاد إليه ليس المال بل الصدقة ولا المناصب بل الدعاء ولا الشهرة بل الإخلاص.

الحياة قصيرة… فلا تضيّعها في الحقد ولا تفرّطها في اللهو ولا تنسَ فيها الآخرة. 

كلنا راحلون لكن الفارق: من يرحل خفيفًا مطمئنًا ومن يرحل مثقّلًا بالندم.

كاتب رأي وإعلامي

 

سويعد محمد موسى الصبحي

كاتب رأي وإعلامي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى