كُتاب الرأي

جنون المناصب

الكاتبة / حصة محمد الجهني

جميل أن يكون الإنسان صاحب نفس تواقّة ، ساعية إلى معالي الأمور، ناشدة للكمال ،متطلعة لما هو أرقى ،وأنفع ،وأسمى ،موقدة لجذوة الطموح المتجدد بداخلها ، لتصل إلى ما تنشده من مجد وسؤدد. فقد قيل:
إذا غامرت في شرف مروم … فلا تـقـنع بما دون النجوم
فأصحاب الهمم، وأرباب الجد والتشمير،هم الثروة الحقيقية لأي أُمَّة ، فالأمم لاتبنى إلا بسواعد أهلها !
ومن صور علو الهمة : الارتقاء في المناصب الوظيفية ،فهي حق مشروع لمن اتسم بالخلق النبيل والسلوك الإنساني المستقيم .
ولكن..
نجد أن هناك من صعدوا سلم تلك المناصب ،فسقطت بصعودهم إنسانيتهم ،وتلاشت قيمتهم وقيمهم فكأنما صعدوا ليَشْقُوا ،ويُشْقُوا من هم تحت رئاستهم ، فقد ماتت ضمائرهم ،وفقدوا كرامتهم، فلاوجود لهم إلا في ظل غيرهم !
هؤلاء هم من أصيبوا بجنون المناصب وهوس الألقاب وشغف الشهرة ! فانشغلوا بالمحافظة عليها عمَّا هو أولى وأهم ممَّا يتطلبه ذلك المنصب من مهام ومسؤوليات ،فحصروا قيمتهم في الألقاب أمام أسمائهم، فاتَّخذوها دروعًا يجدون بها الَإكبار المتوهم ، والتقدير الزائف من غيرهم! يحتمون بوهن زائل، كبيت العنكبوت، فإما أن تزول أو يزولوا هم عنها.
إن المنصب عبء ثقيل ،ومسؤولية عظيمة، يزدان بأصحابه ويكبر بهم ،فقيمتهم وقوتهم في دواخلهم ،وما المناصب بين أيديهم إلا وسيلة لفعل الخير، وقضاء حوائج الناس، وليست ستائر يختبئ خلفها الخامل أو يدعي الرفعة السفيه! وأسماء هؤلاء المجردة من الألقاب أعظم من أي لقب ،لارتباطها بعطائهم النبيل ،وصنيعهم الإنساني الفريد ،فليسوا بحاجة إلى ما يضفي عليهم بريقا وقتيا، ولمعانا لحظيا .
ونماذج هؤلاء النزهاء كثيرة ، ويُعد د.غازي القصيبي – رحمه الله – رمزاً ونموذجاً يُحتذى به في ميدان العمل والإدارة. وفي مُقابلة له يقول:
‏”كنتُ موظّفًا عاديًا أقف في الطوابير وعانيت مثلما يُعاني الناس، وعندما أصبحت مسؤولًا كنت أدعو الله دائمًا:
‏”اللهم اجعل طموحي في خدمة الناس، ولا تجعل الناس في خدمة طموحي”.

فلن ينجو من جنون المناصب إلا من أدرك صعوبة أن يكون الشخص مسؤولًا !

 

حصة محمد الجهني

كاتبة رأي وقاصة وشاعرة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى