في زمن المؤثرين ضاعت بوصلتنا

محمد الفريدي
يشهد عالمنا اليوم طفرة غير مسبوقة في وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا، وقد أتت معها ظاهرة مزعجة تتمثل في انتشار ادعاءات ( التأثير ) بشكل مزعج ، حيث أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة لكل من هب ودب يعلن نفسه ( مؤثراً ) ، سواء كان يمتلك موهبة حقيقية أو رسالة نبيلة، أو كان مجرد دعي بارع في فبركة الصور واختلاق المشاهد المتفق عليها مسبقاً، وإطلاق الكلمات السوقية و الفارغة.
لقد غرقنا في مستوى مخيف من السطحية والأكاذيب، و بات تصنيف الناس يعتمد على عدد المتابعين والإعجابات، بغض النظر عن محتوى تلك المنشورات أو قيمتها الحقيقية، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مسرح لعرض ( الأنا ) والتفاخر بحياة مثالية مزيفة، مما أثر سلبا على نفسية المتابعين وشوّه مفاهيمهم عن الواقع والنجاح والحياة المثالية.
والخطير في الامر هو أن هؤلاء ( المؤثرين ) المزيفين أصبحوا قدوة للعديد من الشباب والمراهقين الذين يقلدونهم في أفكارهم وسلوكياتهم، ويعيدون إنتاج تصرفاتهم وحركاتهم غير المدروسة، وبدلاً من أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أداة للتثقيف والتوعية ونشر القيم الإيجابية، تحولت إلى وسيلة لترويج السطحية والانحراف والانحلال الأخلاقي، وساحة لمخيلة إبليس يضع فيها من الافكار ما يشاء.
إن الحل لا يكمن في حظر وسائل التواصل الاجتماعي أو إغلاق هذه المنصات، بل في نشر الوعي بين أفراد المجتمع، وخاصة الشباب، بضرورة التمييز بين ( المؤثر الحقيقي ) الذي يحمل رسالة نبيلة ويسعى لإحداث فارق إيجابي في المجتمع، وبين ( المزيف ) الذي لا يهدف إلا لجمع الأموال والشهرة على حساب قيم ومبادئ المجتمع.
إن إعادة النظر في مفهوم ( التأثير ) من قِبل المفكرين والباحثين خطوة أساسية ، فلم يعد ( عدد المتابعين ) معيارا كافيا للحكم على مدى تأثير شخص ما ، بل يجب أن ننظر إلى نوعية المحتوى الذي يقدمه، ومدى إسهامه في نشر الوعي والثقافة والقيم الإيجابية، وليس مجرد متع فارغة و نزوات لا تضيف قيمة حقيقية للمجتمع.
إن مسؤولية مواجهة هذه الظاهرة تقع على عاتق الجميع، بدءاً من الأفراد وصولاً إلى المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، فعلى الأفراد أن يكونوا أكثر وعيا وانتقاء لما يشاهدونه ويتابعونه على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يدركوا أن الحياة ليست مثالية كما تصورها لنا هذه المنصات، وعلى المؤسسات الرسمية أن تعمل على سن قوانين تنظم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، وتحارب مظاهر الكذب والتضليل ونشر الإشاعات ، وكل ما يمس بقيمنا و تقاليدنا ، فنحن نعيش معهم على هذه الارض و لنا حق في ان يحترموا قيمنا كما نحترم حريتهم.
أما مؤسسات المجتمع المدني، فعليها أن تكثف جهودها في التوعية بأهمية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي يسهم في بناء المجتمع لا هدمه و تقويض قدراته و أركانه ، فالتحدي كبير والخطر داهم، ولكن الأمل موجود في أن نتكاتف جميعا لمواجهة هذه الظاهرة والحد من آثارها السلبية على مجتمعنا، و مستقبل أجيالنا مرهون بقدرتنا على ترسيخ قيم العلم والعمل والأخلاق الكريمة، ونبذ قيم السطحية والمادية والانحلال التي تروج لها بعض وسائل التواصل الاجتماعي.
و إعادة تعريف مفهوم ( المؤثر ) في ضوء هذه المتغيرات أصبح ضرورة ملحة ، فلا يجب أن يكون عدد المتابعين والإعجابات هو المعيار الحقيقي للتأثير، بل ينبغي أن نقيسه بمدى مساهمة الشخص المؤثر في نشر قيم إيجابية وبناءة داخل المجتمع، علينا أن نسأل: هل يلهم هذا ( المؤثر ) الناس للعمل والتعلم والإبداع؟
هل يسهم في نشر الوعي بقضايا مهمة مثل التعليم أو الصحة أو البيئة؟
هل يشجع على التسامح وقبول الآخر؟
هذه هي الأسئلة التي يجب أن نطرحها عندما نقيم شخصاً على أنه ( مؤثر ).
كما نحن بحاجة إلى إعادة ضبط بوصلتنا الأخلاقية، وتحديد أولوياتنا كمجتمع محافظ، بدلاً من التركيز على المظاهر الخداعة والحياة المصطنعة التي تروج لها بعض وسائل التواصل الاجتماعي، علينا أن نعيد الاعتبار للقيم الحقيقية التي بُني عليها مجتمعنا من قبل، مثل العلم والعمل والأخلاق والإيثار وغيرها من القيم لا حصر لها .
علينا أن نعلم أبناءنا أن قيمة الإنسان الحقيقية تكمن في عطائه لمن حوله وإسهاماته في بناء مجتمعه، لا في عدد المتابعين والإعجابات التي يحصل عليها في مواقع التواصل الاجتماعي من الذين يبحثون عن التفاهات.
التغيير يبدأ بنا، إذا أدركنا أخطار هذه الظاهرة وعملنا على مواجهتها بشتى الطرق، وتسلحنا بالوعي والنقد البناء، وربينا أجيالنا على القيم الأصيلة، وعملنا معا لكي تكون وسائل التواصل الاجتماعي أداة للتقدم والازدهار لا للتخلف و الانحراف والانحلال ، ولن ننجح في تحقيق ذلك إلا إذا تحولنا من مجرد ( مستهلكين سلبيين ) للمحتوى إلى ( منتجين فاعلين ) ينشرون القيم الإيجابية، ويسهمون في بناء حوار بناء حول قضاياهم المهمة.
إن المسؤولية مسؤولية مشتركة بين جميع أفراد المجتمع، فلا يمكن أن نلقي باللوم على ( المؤثرين ) وحدهم، بل علينا أن ننظر إلى دورنا كأفراد في دعم هذه الظاهرة أو محاربتها، فكل ( متابعة ) أو ( إعجاب ) نمنحه لشخص ما على هذه المنصات هو بمثابة ( صوت ) نعطيه له ، فهل نمنح أصواتنا لمن يستحقها أم نضيعها على من لا هدف لهم سوى جمع الثروات والشهرة على حساب قيمنا ومبادئنا و سلامة و أمن مجتمعنا؟
إن ظاهرة ( المؤثرين ) على وسائل التواصل الاجتماعي هي نتيجة لمتغيرات اجتماعية وتكنولوجية متسارعة، وهي ظاهرة مزعجة تستدعي منا التوقف والتفكير بجدية في أسبابها وعواقبها وطرق مواجهتها ، ولن ننجح في القضاء عليها إلا إذا تحلينا بالصبر والوعي والنقد البناء، وسعينا لبناء مجتمع قائم على العلم والأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة.
محمد الفريدي
الرفاهية الحقيقية، أن تجد نفسك وسط ثراء الكلمة المؤثرة.
هنا مررت فوجدت موضوعاً يستحق الوقوف عنده مطولاً، وهنا علمت بأن جيلنا يحتاج لقراءة هذا القلم.
ليعلم أين وبمن سيعحب، ولما؟ شكراً لك أستاذنا..
لا مست جرحًا نازفًا، يا صديقي النبيل.
ظاهرة مزعجة كما تفضلت أستاذ محمد
نسأل الله السلامة من بعض الموثرين كما يزعمون
والخوف على صغار السن الذي ينجرفون وراء الشعارات الزائفة والمثالية المزعومة
بالفعل أستاذة نعيمة الأمر مزعج للغاية، نسأل الله أن يحفظ أبناءنا و بلادنا من طوفان المؤثرين الذين لا يسعون إلا وراء المال و الشهرة فقط ، علينا جميعا توعية صغارنا بحقيقة هذه الظواهر، وتوجيههم نحو القدوات الحقيقية التي تبني ولا تهدم ، فالخوف كل الخوف على عقولهم وأفكارهم التي قد تتأثر بهذا التزيف ، و دورنا كآباء ومربين هو أن نكون الدرع الواقي لهم في هذا العالم المتسارع.
تحياتي وتقديري.
أخوكم
أبو سلطان