آفاق في عين العالم

نظريات المؤامرة

نظرية المؤامرة لذيذة و تروق للجميع، لأنها تعطيك على الفور انطباعاً بأنك أذكى من الآخرين و أنك تعرف خفايا الأمور..
(الروائي د. أحمد خالد توفيق)

انقسم العديد حول هذه النظرية بين مؤيد بشدة ومعارض بضراوة وبين البسطاء الذين يتخذونها شماعة يبررون بها الفشل والإحباط وبين النجباء الذين يرون أن وراء الأكمة ما وراءها..

سأتحدث أولا عن المؤيدين لهذه النظرية ومبرراتهم ثم أنتقل للجانب الآخر من المعادلة، ولك عزيزي القاريء الحرية في تصديق ما يوافق أفكارك، علما بأنني لن أستطيع استعراض كل ما يمكن قوله في هذا الموضوع وسيتحتم عليك البحث بتوسع من خلال بعض الإلماحات والمراجع..

تقول الكاتبة كاثرين يونغ أن هناك أربعة مظاهر لفكرة المؤامرة: يجب أن تكون من مجموعة وليس من فرد، يجب أن يكون لها هدف غير شرعي ولا يستهدف الصالح العام للناس، يجب أن تكون الافعال متناسقة متزامنة متوازنة بلا أي مجال للصدفة، يجب أن يكون تخطيطها سريا وليس للنقاش العلني..

بهذا التعريف البسيط يتضح لنا نظرة العديد من مؤيدي النظرية بأن هناك من يتحكم بخيوط الدمى خلف الستار ويحرك الطابيات الشطرنجية يمنة ويسرة من أجل سلامة الملك في اللعبة، وما أكبرها من لعبة حينما يكون مسرحك هنا هو العالم بأسره..

ثيمة القابعون خلف الستار قديمة جدا ولكن لم تظهر للعلن وتناقش كنظرية إلا في العام 1920 حينما ذكرت في مقال اقتصادي وتم تداولها بشكل واسع إبّان الحرب الباردة في الستينات، ويرى المؤيدون أن الحكومات تتآمر على شعوبها وأن هناك أيضا من يتحكم في هذه الحكومات لتمرير أجندته الشيطانية الشريرة وأن معظم الحروب تقام لهدف اقتصادي من تجار الأسلحة والإعمار، تعال الجأ لنا فسنعطيك أسلحة لتدمر البلد وحينما تنتهي الجأ لنا مجددا لنعمر بلدك مرة أخرى، وكله بأجره طبعا..

من أبرز الأحداث التي يشك الناس بأن وراءها عقول شريرة وجشعة أحداث انهيار برجي التجارة العالمي في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001 والتي كانت سببا في مشروع الحرب على الإرهاب والتي لم تنته فصولها إلى الآن بل زادت رقعتها إلى أن وصلت للربيع العربي والمولود المشوه (داعش) الذين يعده العديد حصان طروادة الذي سيعيد الاستعمار مجددا للشرق الأوسط..

هناك أيضا مؤامرة يهود الدونمة لإنهاء الخلافة العثمانية بالتعاون مع البريطانيين والممالك العربية الصغيرة أيامها، والهجوم على ميناء بيرل هاربور حيث اتخذت سببا للهجوم بالقنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي في الحرب العالمية الثانية، وما يسمى بالأعلام المزيفة false flags والتي تقوم فيها الحكومات بتدمير منشأة معينة بشكل سري ثم تهويل الإعلام وتجييش الجيوش وتجيير التدمير لخصم أو معارضة لأجل قتال العدو الذي لم يقم بها ولكنها حجة للقضاء عليه..

العقول الجاهلة تلجأ لهذه النظرية لأنها الملجأ الأخير للعاجز، تبريرا لفشلهم لوجود قوة أعظم تسيطر على العالم ..
(روجر كوهين مهاجما العرب في النيويورك تايمز)

أشهر نظريات المؤامرة من وجهة نظري هي المؤامرة الكبرى على العالم المتمثلة في النظام العالمي الجديد بقيادة عائلات صهيونية وعباد الشيطان والشمس بمسماهم المعروف الماسونية والمتنورين ويسعى هذا النظام للسيطرة على العالم من خلال التحكم في الاقتصاد والسياسة وحتى الطقس وأن من يتحكم بهم جنس من الغرباء في جوف الأرض وباستخدام ثيمة العين الواحدة كإشارة لعين حورس التي ترى كل شيء أو عين الدجال ولهذه النظرية مروجون كثر وقد استخدمها العديد من الكتاب في الأفلام والمسلسلات والروايات التي سنذكر بعضها لاحقا..

لا ننس نظرية المؤامرة الكبرى على الإسلام والتي كانت تروج بكثرة في التسعينات الميلادية والتي يرون فيها أن كل الأفعال الغربية والبرامج التي تقدم في الإعلام هي تستهدف شباب المسلمين بهدف انحرافهم ونشر التحرر والفساد بينهم وإبعادهم عن دينهم ويتضح ذلك جليا في العديد من المقاطع الصوتية والكتب وبالتفصيل في كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للندوي، وأن ذلك كان سببا في تأخر المسلمين حيث انشغلوا بالمؤامرة واستسلموا لها على حساب إصلاح حال الأمة..

وأحيانا تنطلق سلسلة من الأحداث المتزامنة كحيلة للتغطية على حدث أهم، مثلا ينخفض سعر العملة في بلد ما فيتم افتعال مشكلة في الرياضة أو الفن ويتوجه الإعلام لتغطيتها بتوجيه من سلطات عليا لتفادي النقاش في المشكلة الاقتصادية الأهم..

المعارضون لنظرية المؤامرة طبعا يرونها حيلة العاجز، وأنه بالتأكيد هناك فاسدين متنفذين قد يستغلون سلسلة من الأحداث لتغطية فسادهم وللحفاظ على مناصبهم ومكتسباتهم، لكنها لا تصل لدرجة التحكم في شعب كامل وتغييبه فما بالك بالتحكم في الأرض وشعوبها، ومن أشهر الحركات التي تسعى لنقض هذه النظريات وتنوير الشعوب: حركة Zeitgeist..

وفي البلاد الإسلامية يتحدث معارضو نظريات المؤامرة عن أن الفساد والتحرر موجود منذ القديم في بعض الأدبيات العربية وأن الثقافة العربية الإسلامية انتشرت في أوروبا في القرون الوسطى ولذلك من الطبيعي أن تنتشر ثقافة الغرب بيننا حاليا، فالقوي حينما يسيطر يفرض ثقافته فلا وجود للمؤامرة هنا، وأن من يؤيدون نظرية المؤامرة يريدون فقط سببا للوم النخبة على فقرهم وتخلفهم وكسلهم..

نوقشت هذه النظرية في العديد من الكتب والأفلام والمسلسلات وعلى سبيل المثال لا الحصر روايات دان براون ومصطفى محمود ومنذر القباني ونبيل فاروق في سلسلة رجل المستحيل، ومن الأفلام الأجنبية The Manchurian Candidate, و فيلم the conspiracy theory، وفيلم network , وفيلم The adjustment bureau , وفيلم enemy of the state، ومن المسلسلات
مسلسل lost, مسلسل 24، مسلسل house of cards

ماذا عنك عزيزي القاريء؟!
هل أنت مقتنع بوجود من هم خلف الستار ويحركون الأحداث؟!
أم بوجود حكومات فاسدة تستغل الأحداث لمصلحتها ضد الشعب؟!
أم أن كل ذلك مجرد شماعة وهمية لتبرير الفشل ؟!

 

وليد قادري

كاتب رأي

وليد قادري

كاتب رأي وقاص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى