رمضان نورٌ وضياء
تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام، نفحات وروحانية شهر رمضان المبارك، بعمق الحب والإيمان للأماكن المقدسة، التي تتجلى فيها عظمة الزمان والمكان، وهذه المعالم الدينية والتاريخية، تروي عطش الظمأ، والدموع تنساب من المآقي، بتلك المشاعر الفياضة، بتكويناتها وأبعادها النفسية، لكل من يعيش حياة اليقين بالله، مستشهدا بتضحيات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد أن وفَّق الله قادة هذه البلاد، لبناء أعظم حضارة على أرضها الطاهرة، وتحقيق أهدافها الإنسانية.
فمنذ خمسة عشر قرنا، انطلقت من هذه الأماكن، دعوة الحق والإيمان، لخير أمة أخرجت للناس، على أرض الحرمين الشريفين، تدعو العالم أجمع للتسامح والفضيلة، فكانت ولازالت وستظل بإذن الله منابر الحرمين، شعاع من النور والضياء، تعم أرجاء الكون في كل مكان، فكان طلاب العلم يفدون لهذه البلاد، مشيا على الأقدام، تستمر رحلاتهم العلمية، بما يزيد عن الست أشهر، فرسخ في أعماقهم، الحب والتَّعلق بهذه البلاد وحكَّامها ومواطنيها، فأصبح البعض من هؤلاء الطلاب، علماء في العديد من البلدان الإسلامية.
وقبل سنوات كنت على موعد، مع معالي الوالد الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله، لإجراء حوار صحفي مع معاليه في منزله بجدة نُشر في حينه، حيث كان ينتظرني مع سائقه الخاص، ويطلب مني مرافقته لجامعة الملك عبد العزيز بجده، ليلتقي مع وفد من خريجي معهد الدعوة بمكة المكرمة، قبل توجههم لبلدانهم، لإمامة المصلين لصلاة التراويح في مثل هذا الشهر الكريم، وكان عددهم فيما أذكر خمسة عشر طالباً، والتقى بهم بعد وصوله مباشرة، متحدثاً إليهم بكلمة ضافية، حثّهم على التسامح والرفق مع الجميع.
ما يُمكننا استنتاجه لهذا اللقاء، بأن هذه المواقف التي اعتادت عليها المملكة، وتضاعفت في هذه الأيام المباركة، تُعد من أهم واجبات المملكة، لإقامة الشعائر الدينية، ليس على أرضها فقط، وإنما بتواصلها مع العديد من المراكز الإسلامية العالمية، بعيدا عن الأيديولوجيات السياسية أو المذهبية، وإنما بهدف تقديم نموذج الإسلام الحقيقي، بمبادئه الحضارية وأبعاده الإنسانية، التي يعرفها العالم ويتعامل مع معطياتها الجميع.
فأعمار بيوت الله في العديد من دول العالم، تأتي من منطلق ريادة المملكة ومكانتها الدينية، وبما يسمح لتلك البلدان من إقامة الشعائر الدينية، ويحقق مطالب الحياة المعاصرة، في النظافة الشخصية وبناء العلاقات الاجتماعية، قد ابتهج المسلمون في العالم، بارتفاع صوت الآذان في بعض المدن الأوروبية، التي كانت فيما مضى، تعج بالصخب والضوضاء ليلا ونهاراً.
ترنيمة: للشاعر محمد إقبال
لقَدْ فَاضَتْ دمُوعُ العِشْقِ مِنِّي
حَدِيثًا كَانَ عَلوِّي النِّدَاءِ
فحَلّقَ في رُبىَ الأفْلاكِ حَتَّى
أهَاجَ العَالمُ الأعْلَى بُكَائِي
محمد حامد الجحدلي
نائب رئيس التحرير _ كاتب صحفي