كُتاب الرأي
المواقف فاضحة

سلطان عيد المرشدي
المواقف فاضحة
وجدت العلاقات للراحة والأنس والألفة ومد يد العون عند الحاجة ففي حياتنا أصدقاء كثر، ومع تزايد علاقاتنا ينبغي وضع رتب لها فليست كل الصداقات متينة وليس كل صديقٍ وفي مدى الدهر، فهناك أصدقاء عمل نرتبط بهم بوظيفة أو شراكة أو عمل معين فتكون علاقتنا بهم في حدود العمل فلا نرفع سقف التوقعات بهم في أمور خارج حدود العمل والمنشأة والمؤسسة، وأيضًا هناك أصدقاء من حولنا ممن نرتبط بهم بسبب قرابة أو جيرة أو غيرها فأغلب هذه العلاقات لا نرفع سقف التوقعات بها فنُصدم ونخذل، فكم من أولئك خيبوا الظنون بهم من أول امتحان حصل لنا ولم نجدهم في بعض المواقف التي كان ينبغي وجودهم فيها وعند أول نقطة امتحان لايبقى من ذلك الكم الهائل منهم إلا بعدد أصابع اليد الواحدة، ففي النهاية لولا المواقف لظننت الجميع أصدقائي. يقول أحد الشعراء:
بعض المواقف فاضحة للرياجيل … كم بينت خافي وكم خيبت ظن
وفي زاوية مظلمة نرتبط بعلاقات سلبية لا يستفد منها المرء بل يتجرع الألم والخيبات والندم.
شخصيات تلك الوجوه تتسم بصفات سامة تطرق لها علم النفس وصنف بعضها بالشخصية النرجسية والحدية والسيكوباتية فالعلاقة بهولاء إنهاك للجسد وهدم للعقل وصدام دائم، فإن لم تكن من المقربين جدا لهم وملزم بالصبر وتجرع مرارته كالوالدين أو الإخوة والأخوات والأبناء والزوجة فينبغي قطعها أو بترها لكيلا تفتك ببقية الجسد فهم كالسرطان إن لم تكافحه انتشر وأفسد بقية الجسد ينبغي ختام تلك العلاقة والرابطة بنقطة انتهى، فلست ملزما بالصبر عليها فصحتنا أهم منها بكثير فأغلب زوار العيادات النفسية هم ضحايا تلك الشخصيات وليسوا أصحابها.
وما أرمي إليه وأود أن أوصلك إليه أخي القارئ الكريم أنه ليس ثمة كل علاقة تتوقع منها الكثير كما تظن وتشاء فالعلاقة والصداقة التي تبحث عنها هي التي تصل لمرحلة الأخوة فرب أخٍ لم تلده أمك، ففي معترك الحياة تغلق الدنيا أبوابها في وجهك فتلتفت يمنة ويسره فتذهب لهذا وذاك ظنا منك أنهم أصدقاء حقيقين وتصدم من الخذلان فباتوا ليسوا كما أحسنت الظن بهم وفي منعطف حاجتك وشتاتك ترى ذلك الصديق الذي اخترته بعناية فتلجأ له بعد الله فتجده السند والصاحب ولا يتركك ولا يخذلك حتى يأخذ بيدك إلى بر الأمان، فالمواقف هي التي تبينهم فالمواقف فاضحة وكاشفة تخرج لك الذهب من بين ركام الأحجار فإذا وجدت الناصح الصادق الأمين الوفي الذي لاتزحزحه أعاصير الصعاب ولا تبعده أقاويل الحاسدين، تمسك به وكن عونا له كما كان عونا لك، أبعده عن أعين الحاسدين والمخربين والمفسدين، فكم من صحبة أخوية بقيت لآخر العمر بل إنهما اجتمعا في الدنيا و أعانا بعضهما ليلتقيا في الجنة بمشية الله، أذكر أحد أقربائي المقربين جدًا توفي عليه رحمة الله بقيت علاقته بصديقة أربعين سنة وتوفي الاثنان وهما في أوج صحبتهما يلتقيان كثيرا و يسافران سويا بقيت صحبتهما شامخة متينة يشهد لها القاصي والداني ومثلهما الكثير لا يسع الوقت لسردها ولما بحثت عن سبب قوة تلك الرابطة وجدت فيهما خصلة عظيمة يفتقدها الكثير وهي التغاضي نعم التغاضي عن ما يقع منهما فالإنسان مجبول على الوقوع في الزلل والخطأ ولكن القليل قادر على تجاوز الكثير من تلك الزلات فقد صفا قلبيهما لبعضهما حتى استمرت تلك العلاقة.
كان للرافعي صديقٌ قريبٌ له، انقطعت أخباره حَوْلاً كاملاً، ومن بعدها أرسل للرافعي رسالةً مطلعها:
يا عزيزي الحبيب: فقدتني زمنًا، إن يكن في قلبك منه
وخزة ففي قلبي منه كحدِّ السيف!
ومن شدة وفاء بعض الأصدقاء نسمع قصصا كثيرة عن دفع الصديق الوفي حياته ثمنا لتلك الصحبة وهنا مثال من الآلاف من القصص والمرويات القديمة والحديثة ففي الباب السابع والثلاثين من كتاب “المستطرف في كل فن مستظرف” قصة النعمان بن المنذر ملك الحيرة و حنظلة بن أبي عفراء وشريك ابن عدي بن شرحبيل نديم النعمان قصة لعل القارئ الكريم يعود لقراءتها ويقرأ تضحيه شريك بعدما أصبح ضامنا وكفيلا لعودة حنظلة ليُنفذ فيه القتل بعدما يذهب لأولاده وزوجته ويودعهم ويقضي بعض حوائجهم رغم علم شريك أنه إن لم يعد حنظلة سيقتل مكانه ناهيك عن سرعة حنظلة في الرجوع للملك ليقتل قبل أن يأخذ الملك برأس شريك الضامن والكفيل له ولما عاد حنظلة أعجب النعمان من صنيعمها فعفا عن حنظله وأكرمه وقرب شريك وأكرمه. فيكفيك أن تختار صديقا بعناية وليكن البقية عابرون.
-ما شاء الله- مقال رائع أبا عيد، جهودك تذكر فتشكر.
سلمت أناملك التي سطرت فأبدعت.
لك كل الشكر والتقدير على ما تكتبه وتقدمه من مقالات وقصص.
أسعدك المولى أينما كنت في حلك وترحالك..🤲
استاذنا الفاضل احمد ما اجمل ماسطرت اناملك ، شكرا لك على كلماتك المنمقة الجميلة ، سعدت بتعقيبك على مقالي بارك الله فيك .
مقال راااائع
بارك الله قلمك أستاذ سلطان
اسعدك الله الاستاذة شقراء شكرا لتعقيبهم ومداخلتكم