(سوريا الجديدة ، وتجربتي ليبيا ، والصومال)

من الطبيعي أن يكون لدى القيادة السورية الجديدة بعض الإرتباك ، والإرباك الداخلي ،والخارجي ، وكذلك في كل المجالات التي تهم هذه القيادة في سياستها الجديدة ، سواء ً فيما يتعلق ببناء الدولة ، وتثبيت أركانها ، خاصة وأنهم وجدوا سوريا القديمة تفتقر لكل مايوحي بوجود دولة ، اقتصادياً ، وأمنياً ، وعسكرياً ، وسياسياً ، وفي كل المجالات والاتجاهات الدولية ، والاجتماعية ، لأن تلك الاسرة الطاغية كانت ترى في هذه الدولة التي تقودها عبارة عن حاشية لها مقربة تحصل على كل احتياجاتها من الشعب ليس الا ! ، في ظل غياب بقية المكونات الكبيرة إدراكاً ، واشتراكاً ، لكي تقوم الدولة عليها ، بل اضطهادها ، وتهجيرها وقتلها دون أية مبالاة من الله ثم من الناس ، وكان إعتماد هذه الدولة الساقطة اعتماداً كلياً في وجودها على نظام روسيا ، وطهران المجوسية ، ولا يُستغرب حينما رأينا ان أسرة الاسد الباغية كانت تعتمد إعتماداً ربما كلياً على تصنيع وتصدير المخدرات بكافة أنواعها وهو مارأينا وشاهده العالم كله !.
وعلى الرغم من ذلك ستواجه هذه القيادة الكثير من المعوقات التي تعترض طريقها داخلياً ، خلاف مايخطط له الكيان الفارسي ، وآياته من محاولات لتدمير سوريا، واعادتها لمربعها الاول الذي كانت تسيطر عليه طهران، ولكنها بمشيئة الله ستتجاوز ذلك وبعزم الرجال الذين حرروا بلادهم ، بل أنقذوها من التدمير.
بالطبع هناك الكثير مما قد تواجهه القيادة السورية الجديدة ، وهو كبداية التقريب بين المكونات السورية ، ولعل أكثرها أهمية المكون الدرزي الذي رغم أنه أقلية قليلة الا أنه يتقوى بالمكون الدرزي في الجولان الذي إستحب البقاء تحت سيطرة اسرائيل منذ أن باع الاسد حافظ هذه الهضبة لدولة اسرائيل ، وهذا المكون وَجَد أن في وجوده تحت الاحتلال أفضل من وجوده في دولته ، وتحت قيادة اسرة الاسد الباغية ، ولهذا فإن هذا المكون يهدد باطنياً بلجوئه لاسرائيل لدعمه ، وهو ماسيحدث عند استخدام القوة معه من السلطة الجديدة في سوريا، والامر هنا يحتاج لعقلاء من الجانبين لردم الهوة ، وعدم إعطاء الفرصة في إيجاد مثل هذه الثغرات التي ستستغلها ايران ايضاً وتركب على ظهرها .
هناك أيضاً الوضع السياسي في الخارج ، وممثليات سوريا في كافة دول العالم ، وهي التي تفوح رائحتها بالولاء لعائلة الاسد لاغير! وكيفية التعامل مع هذا الجانب ، وسرعة ذلك للوقوف على مايمكن أن يتم دبلوماسياً ودولياً لجانب هذه القيادة الجديدة .
أيضاً فيما يتعلق بالوضع العسكري ، والأمني داخلياً ، وكيفية توحيد الجهود لفرض السيطرة الكاملة على الوضع داخلياً ، وتأسيس الوزارات ، والحفاظ على الامن ، وتكوين جيش سوري يحافظ على حدود هذه الدولة الجديدة ، وكيفية إختيار قياداته ، ومدى قدرتهم في المسارعة بتكوين هذه القوة المهمة للمحافظة على الدولة ، وإبعاد كل من له علاقة بالارهاب أو تأجيج الطائفية خارج هذه المنظومة ، سيما وأن كل القدرات السابقة العسكرية تم تدميرها ، وكمحاولة في اعادة ترتيب ذلك عسكرياً على حدود العراق ، ولبنان ، وهي الجهتين اللتين قد تستغلها ايران ، وتغزو منها سوريا، وهذه القدرة أو القوة تهم سوريا الجديدة ولابد لها أن تهتم بها ، وتعمل على معالجتها بالسرعة الممكنة ، وقد ترى أن في الاستفادة من بعض العناصر الموثوقة في النظام السابق ، وكذلك من أنشق من القيادات العسكرية السابقة عن نظام الاسد ما قد يسد الفراغ، ويسرع ولو جزئياً في ذلك ، حتى أن تستكمل القيادة الجديدة الوضع ، وتستوعب مايدور في محيطها من ظواهر صديقة أو عدوة ، لتعمل وفقها في بناء قوتها العسكرية .
ولعل ثالثة الأثافي في هذا الوضع المهم للغاية ، والقريب للعسكري أكثر منه للمدني في هذه القيادة ، وهو لعله من المهام القوية التي يجب حلها ، وتدارك وضعها في الوقت السريع ، وهو كيفية إندماج ، أو ادماج واحلال الفصائل العسكرية المختلفة في الداخل السوري كفصيل واحد ، وليكون نواة لجيش سوري واحد ، وهذه اعتقد أنها تورق القيادة الجديدة في سوريا ، وعما اذا كانت تستطيع السيطرة علىها من عدمه ! ، وقدرتها في تأليف ، ودمج هذه المكونات والفصائل ذات الاتجاهات المسلحة المختلفة ، والتقريب بين وجهاتها ، وتوحيدها ، وهو أمرُ بالغ الاهمية ، والخطورة أيضاً.
وقد ينطبق أيضاً هذا على الوجود العسكري لهذه التنظيمات داخلياً ، أي أقصد عملها كأمن عام في الداخل مع السلطة الجديدة ، ناهيك عما قد يتداخل في هذه التنظيمات المسلحة من عناصر ، وجهات قد يكون لها علاقة بداعش والقاعدة ، وهو ماسينعكس على الوضع ، ويكون له تأثيراً بالغاً في سوريا الجديدة ، واختراقها من هذا الباب ، وإشغالها بالمقاتلة داخلياً فيما بينها وبين سلطة دمشق الجديدة ، وطهران ستعمل على هذا المنظور ، بل ستدعمه وبكل قوتها الممكنة ! وهو من المؤكد أيضاً هي ماتعمل وتخطط له( ايران )من حيث احتواء مثل هذه التنظيمات المسلحة في سوريا ، وإغراقها بالمال لمواجهة القيادة الجديدة في سوريا ، وعدم الانضمام تحت لوائها !
إذن القيادة السورية أمام معضلات يتوجب عليها الاهتمام بها ، وحلها حلاً جذرياً ، ولعل الاستفادة من أبناء سوريا في الخارج ، ودعوتهم للمشاركة في القيادة الجديدة ، وبالذات أصحاب القدرات العالية في ادارة برنامج الدولة الاقتصادي ، والسياسي ، والتعليمي ، والاجتماعي ، وكل مناحي الحياة ، وهي خطوة جبارة وتحتاج لمارشال سوري عربي ، حتى ولو تم الأخذ والمساعدة ، وطلب المساندة من الدول العربية في تكوين أسس وقاعدة هذه الدولة ، وذلك ليس عيباً ، شريطة أن تبتعد القيادة الجديدة عن الأجندة السياسية الاخوانية ، وتحرص من تركيا وقيادتها ، وقطر وإستقطاباتها ، وقد رأينا للاسف استقبالات لبعض مشائخ تنظيم الاخوان في مساجد سوريا ، وبشكل ظاهر ، ومستفز لبعض الاتجاهات الفكرية الدينية السلفية المتسامحة ، وهو ذات الاتجاه الذي ستبنى عليه سوريا أن صدقت توجهات القيادة السورية الجديدة ! وهو مايتوجب على القيادة الحذر من تنظيم الاخوان ، وحتى من قياداته التي قد تعج بها التنظيمات المسلحة في سوريا !
وعوداً على بدء فلتأخذ القيادة السورية الجديدة العبرة من ليبيا ، وصوملة الصومال ذات الدولتين الان ، المختلفتين الاتجاهات والمكونات ، وكذلك العراق وتسلط المليشيات الشيعية الارهابية ذات التوجهات الايرانية عليه ، ولتعمل القيادة الجديدة بتوحيد صفوف وطوائف مقاتليها ، ول لاتضيع سوريا في العجة كما يقال في المثل ، وتعطي الفرصة لايران لأنها هي المهدد الاول لهذه القيادة الجديدة في سوريا ، والتي قطعت بل هزمت كل خطط طهران في المنطقة.
محمد سعد الربيعي
كاتب رأي
كاتبنا المبدع اللواء الدكتور/محمد الربيعي
حديثك السياسي في هذا المقال الرائع يعكس رؤيتك العميقة لأوضاع كانت معقدة ، حيث تتداخل السياسة مع التاريخ العسكري والواقع المؤلم .
إن خلفية صاحب المقال اللواء محمد ودوره البارز في البطولات الحربية السابقة وإيقاف الحروب تُمكنه من تقديم تحليلات دقيقة تلامس قلب الحقيقة.
ومع تسليط الضوء على الوضع الراهن وتحدياته ، يُظهر المقال بوضوح التوترات المستمرة والخيارات الصعبة التي قد تواجه هذا المكون في ظل القيادة الحالية. سردك للأحداث بمثل هذه الشجاعة يعكس فهماً عميقاً لطبيعة التحولات التي قد تحدث في المنطقة.
مرة أخرى شكرا لك على إثراءنا وإثراء قراء الصحيفة👍