رحيل الأحبة وبقاء الأثر

سويعد الصبحي
رحيل الأحبة وبقاء الأثر
كانوا معنا…
كانوا بيننا يملؤون أيامنا حضورًا وبهجة ويمسحون عن قلوبنا غبار الهموم بطيب صحبتهم.
كانوا مِلح الحياة وأنس الروح ومرايا صافية نرى فيها صدق المحبة ونقاء السريرة.
أحبابٌ وأصحاب آباءٌ وأمهات إخوة وأخوات…
عاشوا معنا دهورًا أو سنوات أو ربما أيامًا معدودات ثم مضوا حيث لا رجعة وتركوا لنا من الذكرى ما تدمع له العيون وتخشع له الأفئدة.
كم من شخصٍ كان يجلس في صدر المجلس يبتسم بوجهٍ مشرقٍ ويتحدث بحكمةٍ يملأها الرفق والحنان… ثم انقلبت مجالسنا من بعده صامتة يلفها السكون ويوشّحها الحنين.
فهذا رجل فقد والده
كان بالأمس يسمع صوته يناديه بـ(يا بني) يوقظه لصلاة الفجر يسأله عن حاله يشدّ من أزره بكلمة ويمدّ له يده بعطاء لا ينقطع.
كان يرى والده واقفًا خلفه سندًا يشد ظهره في الحياة.
ثم جاء اليوم الذي وقف فيه أمام قبره ينظر إلى اللحد وهو يُوارى والمشهد يكتب على قلبه ألماً لا يزول.
مضى ذاك السند وأُغلقت أبواب النصيحة والحنان التي كانت تأتي من ذاك الأب الوقور.
وهذه فتاة فقدت أمها
كانت تراها كل صباح تعد لها الإفطار تمسح على رأسها تدعو لها كلما خرجت من البيت: (الله يحفظك يا بُنيتي).
كانت أمها تعرف نبض قلبها قبل أن تتكلم تمسح دموعها قبل أن تسقط وتُسكِن روعها قبل أن يرتجف.
ثم جاء اليوم الذي بكت فيه بحرقة وهي ترى أمها تودَّع وتغيب عن ناظريها فلا حضن دافئ بعد اليوم ولا دعاء أم ينزل السكينة على فؤادها.
كانوا معنا…
كم من صديق جلسنا معه تشاركنا ضحكته وحديثه ثم نُعي إلينا فمضينا إلى مقبرته حاملين على أكتافنا جثمانه وبقلوبنا غصّة الفقد وألم الرحيل.
يا ليتنا وعينا أن لقاءنا بهم كان نعمة عظمى وأن فراقهم كان قدرًا مكتوبًا لا مفرّ منه.
ويا ليتنا قدّرنا وجودهم كما ينبغي وملأنا صحائفنا بالدعاء لهم أحياءً وأمواتًا.
وها نحن اليوم
نمشي في طرقات الدنيا نتذكرهم مع كل موقف ونتخيل وجوههم مع كل مناسبة.
لكنهم لا ينتفعون اليوم إلا بدعاءٍ نُرسل به سلامنا إليهم وصدقةٍ نجعلها رحمة تُضيء قبورهم.
قال رسول الله صل الله عليه وسلم:
(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له (رواهمسلم).
فما أجمل أن نكون ذاك الولد الصالح وذلك الصاحب الوفي وذلك القريب الذي لا ينسى من كان يومًا معه على هذه الأرض.
فلنُكثر من الدعاء لهم:
اللهم ارحم والدينا ومن سبقونا بالإيمان.
اللهم وسّع قبورهم واغفر زلّاتهم وارفع درجاتهم واجعل الفردوس الأعلى مستقرهم.
اللهم إن كانوا مُحسنين فزد في إحسانهم وإن كانوا مُسيئين فتجاوز عنهم برحمتك.
اللهم اجعل كل عمل خير نقوم به نورًا في قبورهم وسعة في مضاجعهم.
وكانوا معنا…
وسيبقون في ذاكرة القلب وفي دعوات الأسحار وفي صدقاتٍ لا تنقطع بإذن الله.
اللهم ارزقنا برهم بعد موتهم وحُسن الوفاء لهم واجمعنا بهم في مستقر رحمتك دار لا فراق فيها ولا حزن.
كاتب رأي