( فلسطين وسلطتها التشريعية )

تعد القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى مع إسرائيل منذ الحروب الأولى في 47, 48 من القرن الماضي وما تلاها من أحداث وهجرات وقتل وتدمير للفلسطينيين وهدم واحتلال لكل ما يمت لهذه القضية من قبل العدو الإسرائيلي.
رغم الأمل بوجود حل لهذه القضية منذ اتفاقية أوسلو إلا أن العدو الإسرائيلي يظل غير ملتزم باتفاقيات السلام لإيجاد حل لهذه القضية في ظل عدم وجود من يقرأ المستقبل ويقرر ما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني من الساسة الفلسطينيين أنفسهم، وأخذهم بمبدأ “خذ وطالب” منذ محاولة الرئيس التونسي الراحل بورقيبة إلى الآن حيث تصطدم كل المحاولات الجادة التي قادتها المملكة العربية السعودية منذ مبادرة الملك فهد، وكذلك مبادرة الملك عبد الله -رحمهما الله وطيب ثراهما- إلى الآن عندما بذل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة مبادرة طريق الحرير التي تعترف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، إلا أن التعنت الفلسطيني والتذرع بمبدأ أن ما أُخِذَ بالقوة لا يُعاد إلا بالقوة أدى لزيادة ضياع وشتات حل هذه القضية.
وكنتيجة للتمسك ببعض الأطراف الفلسطينية والعربية بهذا المبدأ، ناهيك عما صاحبه من ممارسات واندفاعات لمنظمات فلسطينية تبنت ما رأته قد يصب في دحر العدو الإسرائيلي في بداية الأمر، وتحول ذلك تدريجياً لتوجيه فوهات بنادقهم للجسم الفلسطيني المعتدل أولاً، ثم اتجه لاحقاً لاستهداف الأبرياء والأصدقاء الذين وقفوا مع حل القضية حيث لم يسلم الجميع من تلك المنظمات التي تبنت الخط المتشدد، كما ساهمت أيضاً في إيغار الجرح الفلسطيني وتبنت بيع وإيجار بنادقهم لأنظمة ساومت ولا تزال تساوم على حل هذه القضية وهو ما ساهم في زيادة واتساع الفجوة.
ورغم ما قدمته المملكة العربية السعودية من مواقف سياسية وأخوية للأشقاء في فلسطين إلا أنها لم تسلم من تلك الأعمال التي مارستها تلك المنظمات ضد مصالحها في الخارج، وما تلى ذلك من تنفيذ أعمال ضد مصالح بعض الدول العربية المعتدلة، وبالتالي حدثت فجوات كبيرة أصبحت فيها المنظمات الفلسطينية المنشقة عن الجسم الفلسطيني الجريح مكان مساومات لمن يدفع أكثر لبنادقهم وولاءاتهم لأنظمة عربية راديكالية وغيرها.
بعد اتفاقية أوسلو اختفت تقريباً تلك المنظمات نتيجة ملاحقات قانونية واستخباراتية، وانشقاقات داخلية وخارجية لقياداتها.. أدى ذلك لاندحارها وشبه اختفائها من الساحة وغسل بعض الأنظمة التي كانت تستأجرها يديها منها خشية الملاحقات القانونية الدولية، كل ذلك كان يتم في ظل تأرجحات سياسية فلسطينية متقلبة منذ عام 1965م، ونشط في تقلباتها وإدارة هذه السياسة المتأرجحة عدم قراءة المستقبل كما أسلفنا، بالطبع لم تنجح السياسة الفلسطينية خارجياً وكذلك داخلياً خلال فترة قيادة حركة فتح من حيث المبدأ لخلافات كثيرة مع منظمات فلسطينية أخرى أدى بالتالي لقيام حركة حماس التي اتخذت توجهاً إسلامياً كدعاية رمزية لها أولاً، وثانياً خلق وإيجاد استقطابات داخلية في غزة وخارجية مع بعض الدول، ونحن نتحدث هنا عن حركة حماس التي أفرغت غزة من نشاط حركة فتح بل وصل الحد لقتل كل من ينتمي لفتح والسلطة التشريعية ويتواجد في غزة. إن الاستراتيجيات التي عملت عليها تلك المنظمات الفلسطينية السابقة وقادتها هي ما تبنته حماس من حيث المبدأ والهدف والنشأة والتمويل ولكن بوجه آخر، ولعل حركة حماس غريبة النشأة من حيث التأسيس والتمويل! أقول حماس صاحبة ما سمته بطوفان الأقصى الذي أقصى فعلاً غزة عن العالم ودمرها وجعلها حجراً على حجر.. وجعل المسؤولين عن إدارة ما سموه بالطوفان يتوسلون الآن إسرائيل والوسطاء العرب في إيقاف القتل والتدمير لغزة وأهاليها بعد أن فقد قادة حماس زمام المبادرة التي دفعوا لها دفعاً من قبل بعض الدول الإقليمية التي لا تريد خيراً بالعرب وقضيتهم الفلسطينية، وهم الآن يحصدون تلك النتيجة الحتمية التي لم يكن قادة حماس يتوقعونها، وهنا نعود لقراءة المستقبل وتحليل الوضع والاستفادة من التجارب السابقة، كل ذلك ضربت به حماس عرض الحائط، يضاف لهذا السبب والأسباب أجمعها هو تأجير البنادق وتبنيه من السابق من قبل منظمات فلسطينية! وها هي حماس تعود لتأجير بندقيتها!؟ وبالتالي هو ما أدى لتدمير كل ما كان يحلم به الشعب الفلسطيني الشقيق سواء في غزة أو الضفة، وتحقيق غايات استخباراتية استعمارية جديدة كانت فيها حماس كمن رُكِب ظهره دون أن تتلطخ أرجل الراكب في الوحل.
بقي أن نقول ماذا لدى سلطة عباس المعترف بها الآن من دول العالم وخاصة الدول الجديدة باعترافها بفلسطين كدولة على أثر الجهود التي قامت بها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الذي عمل جاهداً في رفع الظلم والحرب عن فلسطين بشكل عام وغزة بشكل خاص، ناهيك عما يقوم به وزير خارجية المملكة الأمير فيصل الفرحان من جهود عالمية ناجحة لإضفاء الشرعية على دولة فلسطين وإيقاف الحرب والعودة لما قبل 7 أيار اليوم المشؤوم على أهالي غزة.
إن على الفلسطينيين أن يتحدوا وينبذوا خلافاتهم خلف ظهورهم ويبحثوا عن من يقود هذه المرحلة، ويقرأوا المستقبل بشكل جيد، ويضعوا أيديهم في يد العرب المخلصين للقضية الذين لم ولن يساوموا عليها، وهم الآن من يحاولون مع المملكة إيقاف نزيف غزة في رحلات مكوكية لعواصم عالمية لنجاح هذا الهدف.. الوضع الفلسطيني حرج ولابد من العودة للعقل وردم الهوة بين الفلسطينيين قادة وحركات، وعلى حماس العودة للحضن العربي والاستماع لمنظمة فتح والتنسيق معها في كل ما يؤدي لإيقاف نزيف الدم الفلسطيني وإعادة غزة لسابق عهدها والبدء في وضع الحلول السلمية لقضية فلسطين تحت شعار وعلم دولة فلسطين ومن يختاره الشعب الفلسطيني لقيادة هذه الدولة.
اللواء/ محمد سعد الربيعي
كاتب راي