نظرتك الأولى إلى يومك

قد تكون القناعات التي نحملها تجاه أنفسنا وتجاه من حولنا هي السبب الرئيس وراء ما نحن فيه من الهموم والغموم والآلام والأحزان والمصائب والنكد الذي لا يكاد ينتهي حتى يبدأ في دورة جديدة .
إن أكثر التصورات والأفكار التي نحملها ونعتقد صدقها ويقينها نكتشف فيما بعد أنها كانت ظنون وتصورات خاصة بنا أو باللحظة التي صنعت فيها ودخلت علينا .
بل ربما نكتشف أن غيرنا في تصوراته وأفكاره أقرب للحقيقة منا ومن تصوراتنا وأفكارنا ؛ ولذا يرى بعضهم أن تلك الأفكار والمعاني التي قذفت في روعه من عالم آخر ومن وحي خاص به هو دون سواه فجميع أفكاره صحيحة وجميع تصوراته صادقة وعميقة الفهم لديه وربما رفع عقيرته معلناً تحديه لأقرانه ومريده على حد سواء !
حقيقة عرفناه بعد ضنى من القراءة والقراءة والقراءة والسماع والسماع والدراية والتجربة ( حياتنا من صنع أفكارنا ) ، نعم ؛ إنها من صنع تصوراتنا وأفكارنا وصنع صدقنا وجهدنا ومثابرتنا وجرينا في ميادين الحياة الواسعة والغنية.
إن هذه العوالم التي تحيط بنا براً وجواً وبحراً وأرضاً وسماءً هي المحددات الكبرى لخيالنا الواسع ولتصوراتنا الجامحة؛ فالخيال وعالم الخيال الذي يسكننا أو نحن نسكنه فهو القادر على صنع عوالمنا القريبة والبعيدة والحقيقية والخيالية الوهمية ، وما قد نراه وما لا نراه وما يصنع السعادة والتفاؤل والسرور وما يصنع لنا الهموم والغموم والآلام والأحزان والمصائب.
إن قبضة الثرى ونفخة السماء والتعليم المكنون في الذات الخالدة كل ذلك صنع من الإنسان وحوله تحويلا عظيماً وجعل من خصائصه وصفاته التصوير والخيال الذي لا يحسنه أي مخلوق غير الإنسان المكرم المعلم العظيم ؛ ولذا كلما استعمل الخيال والتصوير في مجالاته وفنونه كما عاد عليه بالنفع والفائدة .
إن المراحل التي يمر بها الإنسان من ولادته إلى وفاته تصنع وتشكل كل شيء فيه من الناحية الفكرية العقلية والناحية المزاجية العصبية والناحية العاطفية الشعورية الإنسانية والناحية الصارمة الحازمة ومن الناحية السلوكية الشخصية ؛ فالوالدان بما يمتلكان من خزينة ثقافية اجتماعية ومن تصورات مختلفة ومتباينة يصنعان التشكيل الأساسي لفكر وعقلية ومشاعر وأحاسيس الرجل والإنسان القادم .
وكذلك تقوم المؤسسات الاجتماعية كالمدرسة والمسجد والإعلام
وغيرها بصناعة الخلفيات والتصورات التي سوف يبني عليها حياته المستقبلية فيما بعد وتتكون شخصيته بناء على هذه المنظومة .
إن مرآة الخيال الجميل هي التي نرى من خلالها الواقع الجميل والمستقبل الأجمل وعليها تتحرك خطواتنا نحو تحقيق الأحلام والتصورات وكلما كانت تلك المرايا مستوية كانت صورنا عليها معتدلة مستوية حقيقية واقعية .
هكذا ترحل بنا تصوراتنا وأفكارنا وأحلامنا ، فقد نفرح بها كثيرا وقد نشقى بها كثيرا ؛ فالسعادة فينا رهن تصورنا عن لحظتنا وساعتنا ويومينا وشهرنا وعمرنا وكذلك الشقاء فينا يقول الشاعر العربي الكبير عمر أبو ريشة :
عالم الوهم نحن صغنا رؤاه
وأردناه أن يكون فكانا !
لست تسطيع أن تكون ملاكاً
فإذا أسطعت فلتكن إنسانا !!
وقد كانت لهذه المؤسسات والدور أكبر الأثر في تشكيل وتكوين الصور العقلية الفكرية والخيالية التي نحن عليها اليوم ومن ذلك :
الأسرة الكريمة أو البيت :
كان و ما زال للأسرة السعيدة الدور الرئيس في تشكيل وتكوين تصورات الأجيال من البنين والبنات والبناء العقلي والفكري والخيالي في الأذهان والمشاعر والأحاسيس والعواطف والتصورات العاطفية الشعورية وتزويد الأفراد بالمعلومات والمعارف الأولى للتصورات.
المدرسة :
دور المدرسة كبير وعميق في تربية وتعليم النشء وبناء تصوراتهم وأفكارهم.
دور العبادة ووسائل الإعلام وقنوات التواصل كذلك لها أدوار ومهام ومسؤوليات كبيرة في ذلك .
لذا حريٌّ بنا أن نتفاؤل ونعطي المساحات الواسعة من حياتنا للأمل
والحب والمحبة والسرور والسعادة والرضى، ونصنع ذلك في كل أيامنا وليالينا وعلينا أن نجعل نظرتنا إلى يومنا هو الأمل والتفاؤل والعطاء والتعاون الحب والسعادة والفرح والسرور فهو يوم جديد في كل شيء حتى على عقولنا وأرواحنا وأنفسنا وأولادنا وأهلينا.
ولنحسن الظن بالله تعالى.
يقول الشاعر العربي الكبير إيّليّا أبو ماضي:
لِتَكُن حَياتُكِ كُلُّها
أَمَلاً جَميلاً طَيِّبا
ولتملأ الأَحلامُ نَفسَكِ
في الكُهولَةِ وَالصِّبى
مِثلُ الكَواكِبِ في السَماءِ
وَكَالأَزاهِرِ في الرُبى
لِيَكُن بِأَمرِ الحُبِّ
قَلبُكِ عالَمًا في ذاتِهِ
أَزهارُهُ لا تَذبُلُ
وَنُجومُهُ لا تَأفُلُ !!
المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض.