رحيق الكلمات

خَرِيْدَتِي المُعَلَّقَة

شعر / مروان المزيني

 

خَرِيْدَتِي المُعَلَّقَة

 

النَّبْضُ في تِلكَ “الجبُورِ” تَدفَّقا

وإلى “الدُّوَيمَةِ” قدْ هَمَى وتَعتَّقا

ما بَينَ “عَيرٍ” في جَنوبِ مَدِينَتي

يمضي إلى “ثَوْرٍ” شِمالاً وارتقى

وهُناكَ بين “اللابَتينِ” تَوهَّجَتْ

تِلكَ “العَوالي” و”القُـبَاءُ” تَألـَّقا

تمضِي الخُطَى في رسْمِ كلِّ حِكايَةٍ

والوَردُ للِنِّعنَاعِ بَاتَ مُلاصِقا

مِنْ بعدِ أحْوَاشِ المدينَةِ لم تعُدْ

اللمَّةُ الأولى عِنَاقاً مُشرِقا

تاهتْ رَواشينُ الحوَاري وانزَوَتْ

عِندَ المُخَطَّطِ واللِّقَاءُ تفرَّقا

كمْ لُعبةٍ جمعَتْ طُفولَةَ حَيِّنا

والوُّدُّ مِنْ حَوْلِ الجمُوعِ تحلَّقا

في لُعبةِ “اللّـيِري” تَراكَضَ بَعضُهمْ

يَرْمِي عَصَاهُ بِقُوَّةٍ مُتَحَذْلِقا

“أمُّ الرُّقومِ” نَواةُ ذَاكَ “الدَّوْمِ” كمْ

مِنْ حُفرةٍ حُفِرَتْ لها كيْ تُزْلَقا

و”الطِّـيـْــرِيَ” المعْهُودُ لُعْبَةُ سُرْعَةٍ

وكَذَا “الحَجَاجُ” تَرُصُّهُ مُتناسِقا

وهُناكَ بينَ مَلاعِبٍ كُرَوِيَّةٍ

وغُبارُ تُربتـِـها تحوَّل زَنبقا

في “الهاشميَّةِ” تَعتلي الألحانُ مِنْ

قَرعِ الطُّبولِ وصَوتُها قد طَقْطَقا

وكذَاكَ عندَ “الزَّاهِديَّةِ” مَلعبٌ

يأتي الشَّبابُ مُهَروِلاً مُتلاحِقا

جَاءَتْ لها فِرَقُ الحوَاري رَغبَةً

جُمهُورُها بَثَّ النَّشِيدَ وصَفَّقا

كتبتْ لنا تَاريخَ حُلمٍ نَاهِضٍ

حَفِظَ العُهودَ بِصدرِهِ وتموْسَقا

تِلكَ المرَابِعُ كيفَ لا أرنُو لها

والبَّوحُ منها قَدْ سَمَا وتَفتَّقا

إنْ رُمْتُ أطلالاً فَفِيها أحرُفي

أمضى بها “القُمريُّ” حتى حلقا

عاشتْ بها الذِّكرَى بكلِّ ثَنِيَّةٍ

بَينَ الأزِقَّةِ دُونَ أنْ تَتَمزَّقا

وذكرتُ كيفَ الشِّعرُ خَلَّدَ نخبَةً

بِهِمُ القَصِيدُ على السِّتارِ تَعَلَّقا

نَاجَى امرِؤُ القَيسِ الصِّحَابَ لمنزِلٍ

بَينَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلٍ مُسْتَطْرِقا

وبَدَا لِطَرْفَةَ أنْ يُنَاجِي خَوْلَةً

لَـمَّـا بِبـُـرْقَةِ ثـــَهـْمَدٍ قدْ أوْرَقا

ولأُمِّ أوْفَى مِنْ زُهَـيْرٍ يَنجَلي

نُصْحٌ حَكِيْمٌ قدْ تَحَقَّقَ مُطْلَقا

عَفَتِ الدِّيارُ وما لَبِيْدُ براحِلٍ

حتَّى رَثَى الأطْلالَ حُزْناً صَادِقا

عَمْرُو بنُ كُلثومَ استَحثَّ نِدَاءَهُ

لِلأندَرِيْنَ لعلَّها أنْ تُورِقا

مُتَرَدَّمُ الشُّعَرَاءِ يَرْسُمُ عَبْلَةً

طَيْفاً لِعَنْترَةٍ فَهَاجَ وأبْرَقا

والحارِثُ المكلُومُ حِينَ تَباعَدْتْ

أسمَاءُ هَاضَ بِدَمعِهِ فَترقْرَقا

تِلكَ الفَرَائِدُ مِنْ عُيوُنِ الشِّعْرِ ما

زَالَتْ لنا نَبعاً أفَاضَ وأغْدَقا

صَاغَتْ جَواهِرَها بِعَبْقَرَ حِرْفَةً

مَسْبُوكَةً بِالحبْكِ تَنْشُرُ رَوْنَقا

بَاتَتْ عَرَائِسَ في سمَاءِ المجْدِ مُذْ

سَكنَتْ بِقَصْرٍ لِلنُّجُومِ تَعمْلَقا

أرْسَتْ سَفِيْنَ البَوْحِ فَوْقَ بحُورِها

مهْما اعتَلاها الموْجُ لا لَنْ تَغْرَقا

تَبْقَى مَنَارَاتُ الهِدَايةِ شُعْلَةً

ولها مَفاتِيحٌ تحلُّ المُغْلَقا

تَدْنُو لها الأقْلامُ تَرجُو نَفحَةً

تُزْكي مَغَانِيها وتُعْلِي الأسْبَقا

كمْ حَاوَلَ القُصَّادُ أنْ يحْذُوا على

آثارِها وبَنَوْا بِعَهْدٍ مَوْثِقا

فَهُناكَ مَنْ جَعَلَ المعَالي رِفْعَةً

وَهُناكَ مَنْ جَعَلَ المهَابَةَ خَنْدَقا

وَهُناكَ مَنْ جَعَلَ الحِكَايَةَ حِكْمَةً

وَهُناكَ مَنْ جَعَلَ الغِوَايَةَ مَوْبِقا

وَهُناكَ مَنْ جَعَلَ الشَّجَاعَةَ عِزَّةً

وَهُناكَ مَنْ جَعَلَ الغَرَامَ حَدائِقا

وَهُناكَ مَنْ جَعَلَ البُكَاءَ نَدَامَةً

وَهُناكَ مَنْ جَعَلَ التَّشَرْذُمَ زِئْبَقا

وأنَا أَهِيْمُ هُنَا بِشِعْرِي عَلَّني

أُزْجِي ثَنايا الحيِّ قَلْباَ عَاشِقا

تِلكَ الزُّهُورُ اليَافِعَاتُ مَعَ النَّدَى

والنَّقْشُ بِالحِنَّاءِ زَانَ المِرْفَقا

وسَلاسِلُ الذَّهَبِ استدَارَتْ تحفَةً

عِنْدَ الكَوَاعِبِ والفُؤَادُ تَرَفَّقا

والعِطْرُ سَالَ مَعَ الخِصَالِ ونَبـْعُهُ

قدْ فَاضَ مِسْكاً حَازَ حَتَّى المَفْرِقا

تَسْبي الجِيَادُ الصَّافِنَاتُ مَدَائحِي

والقَلْبُ مِنْ لَحْظِ العُيُونِ تَحَرَّقا

والأُذْنُ تَعْشَقُ كُلَّ جَرْسٍ نَاعِمٍ

عَذْبِ المُحَيَّا يَسْتَحِثَّ المنْطِقا

خَلْفَ التَّبَسُّمِ كمْ تَرَاءَى لُؤْلُؤٌ

مِنْ حُسْنِهِ جَعَلَ المغِيْبَ المشْرِقا

حَمَلَ النَّسِيْمُ الشَّوْقَ في أكنَافِهِ

يخشَى عَليْهِ الهجْرَ كيْ لا يُصْعَقا

يَسْقِيْهِ مِنْ نَهرِ الوُعُودِ سَكِينَةً

وجَناحُهُ مِنْ حَرِّ ذَاكَ تَشقَّقا

غَطَّاهُ بِالآمَالِ مِنْ رَوْضِ المُنَى

غِرّاً عَدَا في خَطْوِهِ مُتَسَابِقا

ونَظمْتُ مِنْ تِلكَ الكنُوزِ خَريْدَةً

أخْشَى عليها خِلْسَةً أنْ تُسْرَقا

دَثَّرْتُها في بُرْدَةٍ مَصْقُولَةٍ

ومَنحْتُها بَينَ القَصِيْدِ البَيْرَقا

تِلكَ المعَلَّقَةُ التي أبْدَعْتُها

وعلى السِّتَارِ تَظَلُّ رَمْزاً بَاسِقا

 

                        ***                        

الجبور ، الدويمة أحياء في المدينة المنورة

عير ، ثور جبلان معروفان في المدينة المنورة

اللابتين” موضعان في المدينة المنورة

الليري ، أم الرقوم ، الطيري ، الحَجَاج” ألعاب قديمة في المدينة المنورة

الدوم شجر معروف في المدينة المنورة

الهاشمية ، الزاهدية ملاعب كرة قدم قديمة مشهورة في المدينة المنورة

القُمري” طائر معروف في المدينة المنورة

اللابتين” موضعان في المدينة المنورة

الليري ، أم الرقوم ، الطيري ، الحَجَاج” ألعاب قديمة في المدينة المنورة

الدوم شجر معروف في المدينة المنورة

الهاشمية ، الزاهدية ملاعب كرة قدم قديمة مشهورة في المدينة المنورة

القُمري” طائر معروف في المدينة المنورة.

للاستماع إلى القصيدة بصوت الشاعر أضغط هنا 

‫6 تعليقات

  1. هي المدينة المنورة بجمالها وسحرها وناسها وشعرائها وحدها تبوح بأسرار الكون فيها ليس لها شبيهٌ يجاري سر جمالها والإحساس بكل ما يميزها من منزلة فاقت كل من حولها وزادات جمالا وبهاءً للكثير من مدن أخرى في خارج الأرض التي إختارها رب السماء والأرض لهجرة نبي الأمة التي أحبَّها واختارها عاصمة لدولة الإسلام تصدح مآذن مسجدها صباح مساء بنداء الحق حين بكتها النساء بعد أن قدم إليها سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه عائدا إليها من بلاد الشام في عهد الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد رحلة جفاء بانتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى مستأذن سيده أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
    وفي تاريخ الأدب الحديث هاهو الدكتور مروان المزيني يروي ضمأ عشاق الشعر ومحبيه بهذه القصيدة “المعلقة” تتدفق كلماتها ومفرداتها كنسيم صباح المدينة المنورة .
    آه .. آه .. عندما تكون القصيدة بهذه العذوبة وهذا الجمال الذي فاق الوصف.
    تحية حب ووفاء وتقدير لشاعر الوادي المقدس الشاعر الكبير الدكتور مروان المزيني.

    1. الأخ الأستاذ محمد حامد الجحدلي

      تحار كلمات الشكر كيف لها أن توفيك قدرك ومعروفك، وكيف تجاري توهج كلماتك المضيئة حبا ووفاء.

      لك مني خالص الود
      🌹😇

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى