خيمة أم خيبة أم كلاهما؟!

بقلم/ د. شادي الكفارنة.
عندما بدأت الحرب على غزة وتهجر الناس وتشتت شملهم وضاعت بهم السبل وضاقت عليهم الحياة وضاعفت عليهم الأعباء وتكدست أعدادهم في تجمعاتهم السكانية الصغيرة التي لا تسعهم كلهم؛ اضطروا للبحث عن السكن البديل في نصب خيام تأويهم ، وتعرضوا إلى أعباء مضاعفة في سكنهم في الخيام؛ لأنها ليست خيمة ضمن مقاييس التخييم بل هي صناعة يدوية مؤقتة لتستر بعض من عورات الناس النازحة، ومصنوعة من مجموعة من الأخشاب الضعيفة وعليها بضعة من النايلون المقوى لذلك الغرض، ولا يوجد فيها سنتمترات من الفراغ مملؤة بأدوات طهي الطعام ومجموعة من عيدان الحطب ، وأمتعة النازحين على الأرض والمعلقة في أخشاب الخيمة الهشة الضعيفة التي تتطاير عند حدوث الانفجارات على روؤس من يسكنها، صورة مكتملة من المعاناة ترسمها ريشة السهر طوال الليل بسبب الخوف والقلق ، وأيام الشتاء الماطرة التي تهز أركان الخيمة وتخلعها ، وتستمر خيوط السهر ليحمي النازحون أنفسهم من تجميع مياه أمطار الشتاء فوق سقفها وهم طوال الوقت يمسكون عصا لدفع المياه من فوق الخيمة خوفًا من تساقط المياه داخلها أو سقوطها من غزارة وثقل المياه على سقفها أو من تحتها.
لم تقف المعاناة هنا بل تعدت أن نتذوق كل يوم أشكال جديدة من المعاناة وأصناف متكررة من الاحتياجات و أنواع مختلطة من الهموم وأسباب متعددة من الموت ، وقد امتزجت معاناة الخيمة مع طوابير الحمامات البعيدة المشتركة عن التخيم أو الحمامات بجوار الخيمة التي انتهكت خصوصيات الناس، فعشنا خَيبتنا في عدم تحقق الأمل، وعدم نيل المطلوب، عشنا خيبتنا في أن سكن الواحد منا في خيمة مشتتة المعالم ومبعثرة الأماكن ، لقد عشنا الخيبة في عدم تحقيق الأمل المراد تحقيقه، وفقدنا معنى الحياة اللطيفة النظيفة، ولاصقنا الإحباط وعشنا البؤس من بائه إلى سينه، وحاولنا البحث عن إنسانيتنا التي ضاعت وغابت في غيابة الجُب، وذابت في المياة الملوثة بالصرف الصحي.
لقد زادت الخيبة بغياب سلطات إنفاذ القانون عن المشهد وانتشار الفلتان والفوضى وزيادة أشكال العنف وتوسع حجم الجريمة، وفقدان الأمل الذي فاقم خيبتنا وأضعف قوة مواجهتنا في تحقيق أحلامنا وآملالنا وطموحاتنا وسكينتنا النفسية وسلمنا الأهلي واستقرارنا المجتمعيّ ، من (خيبة إلى خيبة )هو المعنى الموازي (من خيمة إلى خيمة) ، ففي المعنيين معاناة وضياع لقد عشنا الإثنين معًا خيبة و خيمة ، فالخيبة تلاحقنا و الخيمة تضيق علينا حتى أصبحنا في حالة تيه نتقلب ما بين الخيبة والخيمة ، فوجودنا في الخيمة هي أكبر خيبة عرفناها منذُ أن ولدنا، خيبتنا في عجزنا عن معرفة تحقيق أهدافنا الوطنية ، خيبتنا في عدم وضوح رؤيتنا السياسية، خيبتنا في عدم توصيل رسالتنا التحررية وما بعدها، لذلك علينا أن نحاول ونقارع الحياة البائسة والظروف القاهرة لنحقق أحلامنا ، ونبني أملًا قويًا يحمي مشاريعنا المستقبليّة ، ونخرج من خيمتنا طاردين خيبتنا.
باحث وكاتب فلسطيني