حين يلتقي الحبر بالناس

حين يلتقي الحبر بالناس
(رحلةٌ إلى حيث تتجسَّد الحروف وتتحوَّل اللقاءات إلى قصائد)
فاطمة الصباح
لا تشبه رائحة الكتب أي رائحة في العالم، فهي مزيج من الذاكرة والدهشة والحنين، ولهذا حين وصلتُ إلى معرض الرياض الدولي للكتاب في يومه الثاني، شعرت أنني أعود إلى بيتي القديم، ذاك الذي تزخرفت كل جدرانه وتزيَّنت بالحرف.
كنتُ أحمل في داخلي شوقًا يشبه احتراق النجوم، وشعورًا متلهفًا بلقاء القرَّاء والزوَّار من خلال ركن المؤلف السعودي، الركن الذي صار لي وطنًا أدبيًّا ألتقي فيه بمن أحب، وأشاركهم ثمرةَ سنواتٍ من الحلم والكتابة.
على أرفف ركن المؤلف السعودي أمامي، كانت كتبي الثلاثة تتنفس معًا: “متكأ وخاطرة”، و“وما بعد الخيال شعور”، و“ليالي حفيدة قيس وليلى”. ثلاث تجارب مختلفة، لكنها جميعًا تحمل بَصْمَتي، وتصل إلى قلب القارئ، وتشبه وجهي حين أبتسم للحبر.
لم يكن الحضور عابرًا، بل كان لقاءً بالحبِّ نفسه.
زوَّار من مختلف المدن والدول، قرَّاء يحملون الدفء في كلماتهم، وعيونٌ تتأمَّل الغلاف قبل أن تفتحه، كأنها تفتح قلبًا لا كتابًا.
كان لي حظ اللقاء بجهاتٍ إعلامية عديدة؛ قنوات تلفزيونية، مؤثرة في وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إذاعات سعودية، ولقاءٍ جميل هنا يُجريه تلفزيون وإذاعة الكويت، ذلك اللقاء الذي حَمل في صوته امتدادًا خليجيًّا للحرف، وكأنه يقول: إن الأدب يجمعنا مهما تفرَّقت المدن.
وفي أروقة المعرض، لم تكن الورش والأمسيات مجرَّد فعاليات، بل كانت نبضًا جماعيًّا للكلمة، يتقاطع فيه صوت الكاتب والقارئ، ويتحوَّل فيه كل ركنٍ إلى فضاء من الإلهام.
حين غادرتُ المعرض في آخر الليالي، لم أغادره بقلبي، لقد بقي جزءٌ مني هناك، في رفٍّ صغير يحمل كتابي، في توقيعٍ تركتُ تحته كلمة محبة، في صورةٍ التُقطت بعفوية، في نظرة قارئ قالت أكثر مما يمكن أن تكتبه الصفحات.
كانت الرحلة أكثر من مشاركة… كانت احتفاءً بالذات التي كَتبت وصَنعت لنفسها مكانًا بين الحروف.
رحلة أكَّدت لي أن الكتاب لا ينتهي عند الغلاف، بل يبدأ من يد قارئٍ وجد فيه نفسه.
حين أعود بذاكرتي إلى تلك الأيام، أُدرك أن ما يبقى بعد المعارض ليس عددَ النسخ الموقَّعة، ولا صور اللقاءات الكثيرة، بل الأثر الخفي الذي يتركه الحرف في القلوب.
كل كلمة قلتُها، وكل ابتسامةٍ تبادلتها مع قارئ، كانت كأنها خيطُ نورٍ يربطني بالعالم الأجمل الذي أصنعه بالكتابة.
أؤمن أن المشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب ٢٠٢٥ لم تكن محطةَ عبور، بل خطوة واثقة في طريقٍ طويلٍ من الشغف والعطاء.
لقد تعلَّمت أن الكاتب لا يسعى وراء الشهرة بقدر ما يسعى وراء الصدق، وأن كل من يكتب بحبٍّ سيصل، مهما كانت المسافة.
أغلقت ملف الرحلة في نهاية اليوم الأخير للمعرض وأنا ممتنَّة لله أولًا، ولكل من مرَّ في طريقي حاملًا كلمة دعمٍ أو نظرة تقدير.
فهذا الحضور، وهذه اللقاءات، وهذه اللحظات التي جمعتني بالناس والكتب والمشاعر، هي ما يجعلني أؤمن أن الحرف لا يموت… بل يتجدَّد كلما نبضت به روح.
وسأظلُّ أقولها بثقةٍ وحنين:
كل معرض كتاب هو ولادة جديدة للكاتب، وميلاد آخر للحُلم.
كاتبة رأي

مبدعة فكرً وقولاً وقلباً … رقيقة المشاعر ، دافئة القلب ، عظيمة الطموح مبارك إنتاجك الادبي الرائعه ومبارك من حاز شرف اقتناء حروفك
دمت بود
شكراً لانك بقلبي أولاً وشكراً لروحك الأجمل ياصديقتي ❤️