كُتاب الرأي

*الأمانة …جوهو الإيمان وميزان الضمير في زمن التهاون.*

*الأمانة …جوهو الإيمان وميزان الضمير في زمن التهاون.* 

الأمانة في زمن قلَّت فيه الأمانة
في زمنٍ غلبت فيه المادَّة على القيم، وتقدَّم فيه المظهر على الجوهر، أصبح من النادر أن نجد من يتمسَّك بالأمانة في القول والعمل والتعامل. ومع ذلك، تبقى الأمانة تاج الأخلاق وركنًا ركينًا في دين الإسلام، لا تستقيم حياة الفرد، ولا يصلح حال المجتمع إلا بها، فهي صفة من صفات المؤمنين، وعلامة من علامات التقوى، وأساسٌ متين لبناء الثقة بين الناس.
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
> ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (النساء: 58)
وهذه الآية الكريمة جاءت بصيغة الأمر الإلهي العام، لتشمل جميع صور الأمانة؛ سواء أكانت أمانة في العبادة كالصلاة والصيام، أو في المسؤولية، أو في حفظ الأسرار، أو في أداء العمل بإخلاص. كما قال تعالى:
> ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ (الأحزاب: 72)
لقد عظَّم الله شأن الأمانة حين نسبها إلى نفسه، وأمر بأدائها، وعدَّها أمانةً ثقيلةً حملها الإنسان بمسؤوليته وإرادته أمام خالقه.
وفي السنة النبوية، قال رسول الله ﷺ:
> “لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له” (رواه أحمد)
وفي حديثٍ آخر قال ﷺ:
“آيةُ المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” (رواه البخاري ومسلم)
فالأمانة ميزان الإيمان، ومن خانها فقد أضعف صلته بربه، وأخلَّ بدينه، وفقد احترام الناس وثقتهم.
الأمانة على المستوى الشخصي
الأمانة ليست خُلُقًا يُمارَس أمام الناس فحسب، بل هي شعورٌ داخليٌّ ينبع من ضميرٍ حيٍّ يراقب الله في السر والعلن.
فالمؤمن الأمين لا يغتاب، ولا يخون سرًّا، ولا يظلم أحدًا، لأنه يدرك أن الله مطَّلع على خفايا قلبه قبل أن يطَّلع الناس على ظاهره.
قال تعالى:
> ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ (المؤمنون: 8)
فمن حفظ لسانه، وأدَّى ما عليه، وصان نفسه عن الغش والكذب والبهتان، فقد أدَّى أمانته تجاه الله وتجاه خلقه.
الأمانة على المستوى العملي والمجتمعي
الأمانة في العمل هي روح الإتقان والإخلاص، وهي معيار التفاضل بين الناس في ميادين الإنتاج والعطاء.
فالمعلِّم الأمين يؤدي رسالته بإخلاص، والطبيب الأمين يحفظ حياة الناس، والموظف الأمين يصون المال العام، والمسؤول الأمين يراعي الله في منصبه.
وقد قال النبي ﷺ:
> “إنَّ الله يحبُّ إذا عمل أحدُكم عملًا أن يُتقنه” (رواه البيهقي)
فالإتقان في العمل صورة من صور الأمانة، والإخلال بالواجب أو التهاون فيه خيانة تُهدم بها الثقة وتُضَيَّع بها الحقوق.
  لماذا قلَّت الأمانة في زماننا؟
من أبرز الأسباب ضعفُ الوازع الديني، وقِلَّة مراقبة الله في القلوب.
فكثير من الناس أصبحوا يبررون تقصيرهم بقولهم: “الكل يفعل ذلك”، وكأن فساد الآخرين مبرِّرٌ لفساد النفس.
لكن الله تعالى يقول:
> ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (الأنعام: 164)
فكل إنسانٍ مسؤول عن نفسه وأفعاله، ولن يُعفى أحدٌ بحجَّة أن غيره خان.
كما أن ضعف التربية الإيمانية، والانشغال بالمظاهر، وغياب القدوة الصالحة، كلُّها عوامل أسهمت في تراجع قيمة الأمانة في مجتمعاتنا.
وفي الختام
الأمانة ليست مجرَّد خُلُقٍ اجتماعي، بل عبادةٌ يتقرَّب بها العبد إلى الله، وتُرفع بها الدرجات، وتُمحى بها الذنوب.
وهي جوهر الإيمان الذي يقوم عليه صلاح الفرد والمجتمع.
فإذا ضاعت الأمانة، ضاعت الثقة، وتفككت الروابط، وفسدت الحياة.
قال رسول الله ﷺ:
> “إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة.”
فقيل له: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال:
“إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.” (رواه البخاري)
فلنحرص جميعًا على أن نكون أمناء في أقوالنا وأفعالنا، أوفياء في مسؤولياتنا، مخلصين في أعمالنا، حتى نكون من الذين قال الله فيهم:
> ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134)

الكاتبة والمؤلفة / سلامه المالكي

سلامة بنت محمد المالكي

كاتبة وإعلامية وشاعرة وقاصة ومؤلفة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى