كُتاب الرأي

(هجوم إسرائيلي فاشل)

محمد سعد الربيعي

(هجوم إسرائيلي فاشل)

لم يكن من المعروف في تاريخ الحروب أن يكون هناك اتفاق بين طرفي الحرب في اختيار الأهداف التي تُضرب أو يُشن عليها الحرب، وترك أهداف أو مواقع حيوية أخرى في الدولتين المتحاربتين.

ما حدث ويحدث في الحرب التي تدور بين إسرائيل وإيران، يجري وفق هذا السيناريو الحربي الحديث، أو المتخادم بين هاتين الدولتين اللتين تمارسان دوراً مشبوهاً في الشرق الأوسط.

كانت التوقعات الدولية تشير إلى أن ضربات إسرائيل على إيران التي شُنت ليلة البارحة قد تكون مختارة ومتفقاً عليها بين الطرفين، أقول كانت التوقعات أن تكون تلك الضربات موجعة، وفي مواقع مؤثرة على نظام ملالي إيران.

لكن ما حدث هو العكس؛ إذ كانت الضربات هشة، وغير مؤثرة، بل لم تُرَ بالعين المجردة، وكأن الاتفاق بين الدولتين (إسرائيل وإيران) تضمّن حتى منع تصوير تلك الضربات التي يدعي كل طرف أنه حقق أهدافه برؤية عكسية بين طرفي الحرب.

اليوم ما يحدث في الحرب بين إسرائيل وإيران، هو عمل تكتيكي، بل اختياري، للأهداف رغم النفي الإسرائيلي بين هاتين الدولتين. بالطبع، لا يمكن أن نغفل الضغط الأمريكي على إسرائيل، وهو ما قد يكون قد منع أن تكون الضربات على أهداف بترولية أو نووية وفق مصالح مشتركة أيضاً بين أمريكا وإيران، في تقاسم النفوذ في المنطقة، إذ مكنت (أمريكا) إيران هذا الدور، وسلمتها العراق على طبق من ذهب! وها هي إيران تهدد وتتوعد، حتى تأكدت من تخادمها مع إسرائيل، وكذلك أمريكا، في التخادم والخيانة التي تمارسها إيران أمام حكام الدول الإقليمية في الشرق الأوسط ودول الخليج، بما معناه أن إيران عينها وهدفها هو تدمير دول المنطقة المجاورة لها، والخليجية تحديداً، بل الاستيلاء عليها بعد إضعافها، كما حدث في العراق، ويحدث الآن في سوريا واليمن!

هذا هو الهدف الإيراني، وفيه تغض أمريكا طرفها عن هذا التوجه المدمر، وتسكت إسرائيل عنه (لأن “الـ … لا يعض أذن أخيه”، كما يُقال في بعض الأمثال العرفية المتداولة بين الناس).

التحليل لهذه الخطوة الإسرائيلية غير المتوقعة والموصومة بالفشل الذريع، لما وصلت له من نتائج بعد ذلك التهويل الذي مورس قبل تنفيذها، هو ذو جانبين:

الجانب الأول: التخادم بين النظامين الإسرائيلي والإيراني في تدمير العرب، والخيانة التي يمارسها نظام الملالي ضد المسلمين والعرب، وهو ما حدث في غزة عندما أوعزت إيران لذيلها هناك باختلاق “طوفان الأقصى”، والذي أدى الآن إلى تدمير غزة، وقتل وتشريد الملايين، والأهم هو تحقيق هدف إسرائيلي، لم تتضح خيوطه الكبيرة في الشأن الفلسطيني حتى الآن!

ثم أتى ما حدث ويحدث الآن في لبنان من تدمير، واستهداف لكل العناصر المرتبطة بإيران، أي ذيلها في لبنان، مع استحياء وسكوت إيراني من مواجهة ذلك التدمير الممنهج لدولة لبنان، التي تعدها إيران أراضٍ إيرانية، ولا تزال الحرب مشتعلة، ولن تتضح رؤياها وأهدافها إلى الآن رغم خسارة ذيل إيران فيها، وعدم تعافيه لفترة مقبلة طويلة!

الجانب الثاني: أن إسرائيل تلقت ضربات موجعة في الجنوب اللبناني، خاصة فيما يتعلق بالإصابات التي لحقت بجنودها هناك، والخسائر البشرية التي واجهتها في الجنوب اللبناني، وهو ما قد يعود إلى إعادة حسابات إسرائيل، وخاصة أنها دولة صغيرة، وقد فر سكانها من أثر الصواريخ التي استهدفت بعض مواقعها في شمال إسرائيل وبعض المدن في الوسط.

وهي بالتالي قد أعادت التفكير في وقف هذا الهجوم، سيما أن بعض قادة إسرائيل صرحوا قبل الهجوم على إيران بأن هدفهم قد تحقق في جنوب لبنان!

إذاً التحليلات قد تتجه، وخاصة في حالة توقع هذه الرؤية، إلى أن إسرائيل قد تعيد حساباتها، وتوقف مدها الحربي على سكان غزة، وجنوب لبنان، وأنها الآن قد تعيد النظر في تحقيق السلام في المنطقة، وإحياء المبادرات التي قادتها المملكة، وتقودها من أجل تحقيق دولة فلسطينية، تكون عاصمتها القدس الشرقية، وعلى حدود عام 67م.

قد نكون نحن الآن على مفترق طرق، وفرص مهيأة، وعند رفع إيران يدها عن المنطقة، وهو ما قد يكون من خلال اختيار تلك الأهداف التي ضُربت اليوم في إيران. بمعنى آخر، قد تكون إيران مقتنعة أو أن أمريكا أقنعتها بضرورة تقليل أياديها في منطقة الشرق الأوسط، وترك الدول العربية في إحلال السلام مع إسرائيل، وهذا بالتالي سيعطي فرصة لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، وإنهاء الحرب الدائرة فيها. ولعل الفرصة مواتية الآن، وتعود كل من الدولتين لرشدهما، ويتبنيان اختيار السلام، بدلاً من شن الحروب التي لن تكون في مصلحة أطراف ودول المنطقة.

لكن، هل تعي إيران هذا المنطق، وتعود لبناء دولة رخاء لأبنائها، وتنبذ، بل تقطع الدعم عن ذيولها في المنطقة، وتعود لبناء علاقات ودية مع دول الجوار؟ لا أعتقد طالما أن نظام خامنئي، ومن قبله الخميني الهالك، يتبنى تصدير الثورة، واحتلال الدول العربية والإسلامية، وهي خطط تعمل عليها إيران، ولا تراها بعيدة، بل تعد خططاً خمسينية (أي كل خمسين عاماً) تراجعها وتتأكد من سلامة تنفيذها! بمعنى أن دولنا في الخليج، والإقليم أمام شر مستطير من إيران وأذنابها، وهو ما يعني أن لا نركن لأكاذيب نظامها، وزعمه إحلال السلام في المنطقة. فالشر والخيانة يكمنان في عمائم وعباءات هذا النظام الملالي الخبيث!! فهل نتعظ ونبني قوتنا التي تحمي أوطاننا، ونطرد كل ذيل إيراني، بل نقطعه، وعلى دول الخليج الحذر من مكوناتها الشيعية المرتبطة بإيران، وكذلك بعض الأحزاب المتأسلمة في الوطن العربي، كتنظيم الإخوان المفلسين في الأردن ومصر، وغيرها من الدول، والتي لا تزال تعتقد أن إيران تضمر الخير لهم، وللمنطقة بينما العكس صحيح، والأدلة قائمة لناظري كل خائن، ومتواطئ، ضد دولته، وأمنها واستقرارها، وهو ما يحدث في غزة ولبنان، وسوريا واليمن والعراق، من لعق أحذية الفرس في امتهان لا يمكن لعروبي شريف أن يفعله!

كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى