أمريكا تمكدل العالم

في عام 1945 م قامت أمريكا وحلفاؤها في الحرب العالمية الثانية بإعدام الزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني ومثلوا بجثته وعلقوه في محطة وقود من رجليه منكس الرأس مع حبيبته كلارا بيتاكوري وسحبت جثتيهما في ساحة عامة في مدينة ميلانو، وبموتهما انتهى النظام الفاشي في إيطاليا ومهد هذا الحدث لانتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا.
هذا ليس موضوعنا. موضوعنا، هو أن رحالة أمريكيا يدعى “جيف” بعد كل هذه المدة الطويلة اكتشف مكان المحطة التي تم تعليق جثة موسوليني وحبيبته فيها ووجد أنها تحولت إلى فرع لمطعم “ماكدونالدز”.
في هذه الأثناء، ومع سعي كل طرف من المنتصرين في الحرب لفرض ثقافته، أعلنت أمريكا انتصارها بطريقة مختلفة تعرف بـ “أمركة” العالم، وقد صاغ علماء الاجتماع مصطلحا يشبه “أمركة” العالم، وهو “مكدلة” العالم، ويشير هذا المصطلح إلى تأثير مطعم ماكدونالدز على العالم، فعلامة ماكدونالدز تعتبر رمزا للثقافة الأمريكية وسيطرة الشركات الأمريكية على العالم.
ومن المعلوم أن كل محتل عبر التاريخ يسعى لزرع ثقافته التي تعبر عنه وعن نمط حياته في صميم ثقافة من يحتل، وما موقع ماكدونالدز في مكان جثة موسوليني إلا انعكاسا لرغبة المحتل الأمريكي في تبني نمط حياته من الإيطاليين، وتعبير عن ثقافته الأمريكية، ونشر قيمه ومفاهيمه التي تميزه عن غيره، ويركز على الشركات والمواد الاستهلاكية ليرسخ الرؤية الغربية في دول العالم على أنها جوهر قابل للاستهلاك فقط.
ولا يعرف بالضبط ما إذا كان وضع ماكدونالدز في موقع المحطة التي مثل بها بجثة موسوليني وحبيبته وعلقا فيها مقصودا أم لا، وهل هو بالضبط نفس الموقع الذي تم فيه التمثيل بجثتيهما، كما زعم الرحالة الأمريكي جيف، أم أنه بالقرب منه، وبغض النظر عن هذا كله، ما يهمني هو أن هذا الأمر يحمل رمزية تعكس نهج العالم الغربي التي ينتهجها بعد الحرب العالمية الثانية مع جميع الدول الأضعف منه.
يبدو جليا من خلال ما ذكرنا بأن الثقافة الغربية سعت بشدة لفرض وجودها وترسيخها بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تمثل ذلك بشكل واضح من خلال ما قام به الأمريكيون من تثبيت رموزهم الاقتصادية في الدول التي يحتلونها، إضافة إلى أن استخدام الشركات والسلع الاستهلاكية للمحتل ينظر إليه على أنه وسيلة لنشر الثقافة والتأثير، وقد لاحظ الباحثون أن هذا التوجه استمر منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، إذ لا تزال الثقافة الغربية تسعى لتصدير قيمها وطريقة حياتها للعالم بكل الوسائل المتاحة، وهنا نتساءل عن مدى مشروعية هذا التوجه، وعواقبه على الثقافات والهويات المحلية في مختلف أنحاء العالم.
ويتعين علينا نحن السعوديون دراسة آليات الحفاظ على هويتنا في وجه تيار تصدير الثقافة الغربية، وفي رأيي أن تعزيز الوعي الثقافي والحضاري للمواطنين وتنمية الانتماء لهويتهم الوطنية هو طريق مهم للحفاظ على هويتنا، ودعم وسائل الإعلام والثقافة المحلية سيسهم بلا شك في نشر الوعي بقيم ثقافتنا المحلية وتعزيز مقاومتها لمحاولات الزحف الثقافي، وفي النهاية، علينا أن نعزز مناهجنا الثقافة وتراثنا في مؤسساتنا التعليمية لغرس الانتماء في أجيالنا القادمة، وأن ندعم وسائل إعلامنا المحلية ونشجعها على إنتاج محتوى يسلط الضوء على هويتنا الثقافية، وأن نبرز للعالم معالمنا الثقافية والتراثية والسياحية المحلية، وأن نسن قوانين تنظم محتوانا الإعلامي ونحمي هويتنا، وأن نعزز صناعاتنا الثقافية المحلية وندعم المشاريع المتعلقة بتراثنا، فقد قامت الصين بالتصدي لهذا الغزو الأوروبي الثقافي المخيف بربط التعليم بالوطنية، ودعمت مشاريعها الثقافية المحلية، ونجحت العديد من الدول الأوروبية في نشر لغاتها وثقافاتها عالميا فقط بالترويج لهويتها، ونحن علينا أن نضع في الاعتبار استغلال تقنيات التواصل الحديث، وننشئ منصات إعلامية وثقافية رقمية وطنية، ونستخدم وسائل التواصل في التعريف بهويتنا، وننتج محتوى تراثيا وفنيا وثقافيا يلقى قبولا جماهيريا، ونطلق المبادرات التي تعرف العالم على هويتنا.
فالصين عندما قاومت الثقافة الغربية ربطت التعليم بتعزيز هويتها الوطنية بين أجيالها القادمة، وأدخلت مناهج خاصة بتاريخها وثقافتها وإنجازاتها في مختلف المراحل التعليمية، ودربت المعلمين على غرس مفهوم الانتماء لطلاب مدارسها، وكثفت الأنشطة المدرسية المرتبطة بتراثها مثل الفنون الشعبية والرقصات التقليدية، واعتمدت كتب مدرسية تتناول تاريخها وإنجازاتها منذ العصور القديمة، وأشركت طلاب مدارسها في فعاليات وطنية تعزز الانتماء كالاحتفال في المناسبات الوطنية، وربطت المناهج العلمية بالإنجازات الصينية لزرع ثقة الطلاب بتقدم بلادهم، فمتى نتوقف عن “مكدلة” السعودية؟!
محمد الفريدي
ويتعين علينا نحن السعوديون دراسة آليات الحفاظ على هويتنا في وجه تيار تصدير الثقافة الغربية، وفي رأيي أن تعزيز الوعي الثقافي والحضاري للمواطنين وتنمية الانتماء لهويتهم الوطنية هو طريق مهم للحفاظ على هويتنا، ودعم وسائل الإعلام والثقافة المحلية سيسهم بلا شك في نشر الوعي بقيم ثقافتنا المحلية وتعزيز مقاومتها لمحاولات الزحف الثقافي،
احسنت احسنت احسنت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما شاء الله تبارك الله
نظرة أستشرافية عميقة
وجديرة بالتوقف عندها
وفقكم الله تعالى لما يحبه ويرضاه
وإلى الأمام دائما وابدا..