كُتاب الرأي

قراءة انطباعية لمجموعة ذات حكاية للأديب السعودي وليد قادري

محمد علي مدخلي

“خلف النوافذ الصامتة حكايا تروى وأخرى تتوارى “

قراءة انطباعية لمجموعة ذات حكاية للأديب السعودي وليد قادري

لا تمل العقول من الحكايا ، يقول موباسان (إن هناك لحظات منفصلة في الحياة، لا يصلح لها إلا الحكايات)، والقصة القصيرة في حد ذاتها حكاية تنشط العقل وتبعث الأريحية.

وفي هذا السياق صدر عن دار تشكيل للطباعةوالنشر مجموعة قصصية بعنوان (ذات حكاية) للكاتب والقاص السعودي وليد قادري.

تحمل المجموعة عنوان (ذات حكايةعنوان يفتح باب السؤال لدى القارئ للبحث عن دلالة جنس الحكاية ؟

هل حكايا تاريخية أم واقعية أم إخبارية أم …….؟

تساؤلات مشروعة للقارئ الكريم . تساؤلات أجاب عنها الكاتب في الصفحة السابعة ” هنا حكايات وقصص تحكي نفسها لكم . مشاهد إنسانية شتى ،قصص من القلب تروى ومشاعر تبحث عن ذاتها في عالم الحكايا “.

وعلى مدار أربعة وثلاثين قصة حوتها المجموعة ينوع الكاتب أسلوبه فيتجاوز الترتيب الزمني للحدث منطلقاً من المشهد الأخير في بعضها مستعيداً خيوط السرد عبر تصاعد الحالة النفسية للشخصيات كما في نص “ألبكة وخردل بعسل الصنوبر”

أو من المشهد يصنع الذروة ليفكك الحدث الذي يستنتجه القارئ ويقوم بتركيب خيوطه ،وضح ذلك في “بقايا وصية “ فالقارئ هنا يشارك الكاتب في إعادة بناء القصة في خياله عبر الإيحاء الذي يعتمد عليه الكاتب، ومفككاً الغموض الذي لجأ إليه ليستدرج القارئ نحو المشاركة في تخيل الحدث واتباع خيوطه المتعددة والمتشعبة.

كما أن هناك العديد من القصص التي تفتح باب التفكر والتأويل لإماطة اللثام عن مآل النص وتفكيكه في محاولة البحث عن المرامي البعيدة والقريبة التي يأخذنا إليها الكاتب. إذ يصور الذات الإنسانية في تشظيها سابراً عوالمها الداخلية وصراعاتها المشحونة عاطفياً في مشهديةتصويرية تميل للغرابة حيناً برز ذلك في أكثر من نص ، مثلا “ متى ستموت الحرب ” و نص ” أجنحة من عاج ”

وبلغة تقترب من الشعر حيناً مثل نص ” رحيل ” و “متشابهون كالحياة “ ونص ” سجادة قلب”.

يتخذ الكاتب موقع السارد الذي يقوم بوصف وسبر العالم الداخلي للشخصيات جاعلاً الحدث في هوامش السرد منتقياً مواضيعه من مجتمعه بحيثيملك عوالم أبطاله النفسية والذاتية كما في قصة مشاهد من الحج أو قصة أخيرة التي استطاع فيها المبدع وليد ” أن يشعرنا بعوالج الجد بلغيث بعد رحيل الجدة رضية “.

وممسرحاً القص تارة أخرى كما في قصةجوييموالحوارية السردية بين اليهودي وابنه حول الفردوس المفقود.

في نص “متقاعد “ نجح الكاتب في فتح العوالم النفسية للشخصية وهواجسها وانفعالاتها وهمومها .

وفي نص ” من يعلق الجرس “ جعل الإبهام والغموض حاضراً في السرد وترك الباب مفتوحاً أمام القارئ ، مسلطاً الضوء على معاناة الفرد أمام المجتمع القاسي والمستكين لقوالبه الجامدة والمتخلفة  وظلمه للإنسان سواء بقوة العادات والمفاهيم المتخلفة أو بقوة السلطة الراسخة والتي تسعى لإدامة قيودها وذلك الصراع بينهما والذي ينتهي غالباً لصالح الأقوى.

وللغرام وأهله نصيب في قصة“أتذكرين حيث يقوض الواقع أحلام البطل والراوي العليم وقصص الحب التي تموت بيد الواقع ولا يبقى منها إلا الذكريات التي يطمسها الزمن مع تقدم الحياة التي لا ترحم .فالحبيبة تتزوج ممن صديقه أحمد.

في نص “ظنون “يبرع الكاتب في وصف لحظة الذروة في الانفعال العاطفي والصراع النفسي للشخصيات التي تنتقل بين ضمير المتكلم وضمير الغائب وذلك في مشهدية تصويرية تأتي على لسان الشخصيات “عادل،ناهد،ليلى،قطة،أحمد،الكاتب نفسه “ محاولاً تصوير تلك الانفعالات والصراع الذاتي المكتمل مع المحافظة على إشارات مفتوحة توحي بالنهايات.

لا تأتي القصص في سوية واحدة فهناك موضوعات مطروقة سابقاً كواقع المرأة اليتيمةالمستلبة الراضخة لمشيئة المجتمع ومعاناتها وقتل الذات . برز ذلك في نص “حكم مؤبد ” .

وفي قصة “زائر المنام نرى أنها صراعات متداخلة تعتصر مشرف الرحلة بين الداخل والخارج ، بين الذات والحلم . إذ تتعدد وتتداخل الدلالات باحثاً عن اكتمال رؤاه. حينها يجتمع الأمل مع باسلوالشعور بالإهمال في ملامح عاصم .وفي ظل الافراط بالاهتمام بباسل والتفريط في احتواء عاصم ،يصارع البطل أمواج البحر وصدى  تقريع زائر المنام   فينتهي البطل إلى الرحيل الأبدي .

في نص فوانيس نرى خلف النوافذ الصامتة  حكايا مختلفة يجمعها الفقد والغياب والموت والإحساس بالاغتراب حيث يجتر الإنسان آلامه الخاصة . هذه الحيوات المتعددة كمثل مشاهد سينمائية أو عروض مسرحية يقوم كل منها بدوره دون تأخير.

تقول قصة فوانيس ” تلمح بيوت جيرانها من حولها ، فوانيس مشتعلة وأخرى مطفأة ..”

بين رحيل الرجال إلى رحلة الصيد وانتظار النساء يحدث التوتر الذي بنيت عليه السردية .

في نصي ” كاتب ” و ” مثقف /ناشط /اجتماعي يصورالكاتب معاناته في التقاط الأفكار و تشتت المثقف واحتدام الصراع في داخله للبحث عن ذاته وعن تحقيقها إذ يرتقي من النواح إلى مرحلة القرار .

في نص ” حيرة “يبحر الكاتب في تلافيف العقل باحثاً عن رؤاه كقلم حر يحتدم العالم في داخله فيقطر الواقع المر ويتطهر منه باكتمال الفكرة والإبداع الموازي للنور.

طرق القاص أسلوب  الفانتازيا في قصته (خوف ممزق يحتضر) وأنسنة اللامحسوس هنا إشارة إلى االخوف ، رفيق الجسد في الظلام. لكن ظل الخوف هنا وهو البطل يتجسد في العتمة لعله: (يموت في أمان من طباع البشر).

اللغة عند الأستاذ وليد تعبر بدقة عن تلك الإرهاصات وتميل إلى الشعر أحياناً مختزلة ومكثفة لكن يؤخذ عليه الإسهاب في الوصف في بعض الأحيان ما لا يخدم البنية القصصية ويشتت القارئ.

أخيرا مجموعة ” ذات حكاية ” مختلفة في البناء إذ  يغوص في العوالم  النفسية والداخلية للشخصيات واصفاً انفعالاتها وهواجسها.

مجموعة يتنوع فيها السرد مابين قصص تنفعل بدينامية التخييل إلى قصص يتداعى فيها المشهدية.

“ذات حكاية” مجموعة تستحق  أكثر من قراءة ومن زوايا مختلفة لسبر أغوار شخصيات حكاياها المتشظية كالزجاج .

أديب وكاتب رأي وقاص وناقد

 

 

محمد علي مدخلي

أديب سعودي وكاتب رأي وقاص وناقد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى