كُتاب الرأي

(كن عادياً ولا تبالي)

باسم سلامه القليطي

(كن عادياً ولا تبالي)

🟢 العادية صفة تتبع الموصوف، كأن تقول: أب عادي، زوج عادي، موظف عادي، طالب عادي، لاعب عادي. وغالبا ما تقال بنبرة تجمع بين الإشفاق والانتقاص، ومثلما أنها تنفي التميز والإبداع عن الموصوف، فهي تنفي عنه التقصير والخمول، فهو أفضل من أن يُعاب، وأقل من أن يُمدح، كأنها منطقة رمادية بين سواد الاستهتار الحالك، وبياض الاهتمام الناصع، أما من يكثرون إطلاقها على الناس، يدفعهم لهذا التصنيف إما الجهل أو الغرور. يقول الإمام الشافعي “كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي، وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي”.
🔵 يهددونك بأنك ستكون إنسانا عاديا، وتعيش عاديا، وتموت عاديا، وكأن العادية مرتبة إنسانية وضيعة، لا تستحق السعي وبذل الجهد للوصول لها، ولا يكتسب التقدير والاحترام من هُم أهلُها، للناس مواهب وقدرات، وللظروف عطايا ونكبات، وفي التفاصيل تكمن الحكايات.
🟣 الشعور بالجدارة والاستحقاق حق لكل إنسان بذل جهدا يوازي طاقته وإمكانياته، يردد دائما: (تجربتي تهم لأنني مهم، وعاديتي مساحة أماني وأرض نفوذي)، في كتابها (نعمة عدم الكمال) تقول الدكتورة (برنيه براون) “ينبغي أن تستيقظ في الصباح معتقدا أنه مهما كان ما سيتم وأيا كان ما سيبقى فأنت كافٍ، نعم أنت بشري وضعيف وأحيانا خائف، لكن هذا لا يغير حقيقة أنك أيضا شجاع وجدير بالحب والانتماء”.
🟠 التصرف بعادية يتطلب ثقة وشجاعة واستمرارية، العادية مسألة نسبية، فما هو عادي عند فئات من البشر هو خارق عند آخرين، بمعنى أن الكفاءة والعبقرية والإبداع ليست أمورا ثابتة في كل مكان وزمان، انفتاح الثقافات وتقارب الشعوب في العقود الأخيرة، جعلنا نتعلم عن بعضنا أمورا كثيرة، فنرى من ضمن ما نرى أمورا نخالها صعبة ومستحيلة، وهي عندهم أفعال عادية يفعلونها بأدنى جهد، والعكس صحيح كذلك، وقس على ذلك ما يحدث في المجتمعات الصغيرة. كان تعريف نابليون للعبقري عسكريا “الرجل القادر على السلوك العادي، عندما يصاب كل من حوله بالجنون”.
🟢 لما لا ننظر للعادية والتميز أنهما متلازمان، وأن العادية متضمنة التميز، وأن التميز يستلزم العادية، أعتقد لو أننا نظرنا للأمر من هذه الزاوية لتلاشت الحدود بين هذين المفهومين، وأصبح الأمر طبيعيا بلا تكلف أو ضغوط، إن جاء التميز حيهلا، وإن استمرت العادية فاللهم لك الحمد والشكر.
🔵 في الختام، ليست دعوة للتكاسل وقتل الطموح، إنما هي تربيتةٌ على أكتاف عانت حمل الهموم، وملّت عبارات التقريع واللوم، واستهجنت سماع المقارنات البشعة، وقصص العصاميين الجُدد، المليئة بالكذب والمبالغات المُضحكة، والبطولات الوهمية، والنجاحات المفبركة، والتي تدل على أنهم لم ولن يصلوا للمرحلة العادية، التي يستحق أصحابها التقدير والاحترام.

كاتب رأي 

باسم القليطي

كاتب رأي

‫2 تعليقات

  1. شكراً لعاديتك الرائعة التي أثرت العادي ولمعته عملياً ونظرياً لانه وكما تفضلت( أ- باسم) بأن الأمر العادي عند قوم يوازي الإنجاز عن اقوامٍ أُخر..
    فالعادي ليس إخفاقٌ ولا عار بل آنجازٌ وإثراء لا يعلمه إلا من يملكون النظرة الثاقبة والفكر العميق..

    👍🏼🙏🏻

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى