غربتنا إحساس يرافقنا مدى الحياة / الجزء الأول

محمد الفريدي
هذا العنوان يعبر بشكل واضح عن فكرة أن الغربة ليست مجرد حالة مؤقتة، بل تجربة تستمر معنا في مراحلنا المختلفة، والغربة لمن لا يعرفها هي شعور معقد يعبر عن حالة انفصال نفسي واجتماعي نعيشها في بيئة لا تتوافق مع قيمنا وأفكارنا، و في نفس الوقت هي تجارب فردية تتجلى بطرق متنوعة، وتؤثر بشكل مباشر على إحساسنا بالانتماء وشعورنا بالسكينة والاستقرار او العزلة.
يشعر الواحد منا في حالة الغربة بالعزلة، ولو كنا محاطين بأناس من حولنا، و لا نستطيع كذلك التفاعل مع محيطنا، ونصبح أكثر غربة عندما تكون غربتنا، بسبب الفوارق اللغوية والثقافية والدينية، وأكثر ما يزيد من حدتها هو عدم فهمنا من الآخرين.
كما هو حالنا في حالة غربتنا الثقافية حين ننتقل للعيش في بلد أو مجتمع جديد علينا، ونجد أنفسنا محاطين بعادات وتقاليد تختلف تماما عما اعتدنا عليه.
و هذا النوع من الغربة أكثر من يعاني منه أبناءنا المبتعثون، والعمال، والمهاجرون الذين يجدون صعوبة في التأقلم نتيجة الفوارق الثقافية واللغوية والدينية، وعدم الاندماج الكامل مع الثقافة الجديدة يؤدي إلى شعورهم بالغربة والارتباك، ويصبح التواصل مع المجتمع المحيط بهم تحدي يومي كبير، ولكن مع مرور الوقت، يبدؤون في تبني بعض جوانب الثقافة الجديدة، أو يبحثون عن مجموعات من بني جنسهم تتيح لهم الإحساس بشيء من الانتماء أو تسهم في تقليل شعورهم بالغربة.
أما في غربتنا الاجتماعية فإننا نعيش وسط مجموعة لا تشاركنا قيمنا و لا اهتماماتنا فنشعر بالعزلة، وأشد أنواع هذه الغربة قسوة هي الانعزال الناتج عن انضمامنا إلى دائرة أصدقاء لا يفهمون معني شغفنا بالكتابة أو حبنا للموسيقى مثلاً، أو أي جانب من جوانب حياتنا التي تهمنا بشدة فيصبح تفاعلنا في هذه الحالة مع هؤلاء الأصدقاء سطحيا، ولا يوجد معني لتواجدنا مع بعضنا البعض، و لا عمق في تفاهمنا وتواصلنا، مما يزيد من حدة شعورنا بالغربة.
هذا الشعور بالغربة هو ما يدفعنا للبحث عن مجتمع أو أفراد من الناس يشاركوننا نفس اهتماماتنا ليعيدوا لنا الشعور بالانتماء، أو نجد بينهم من يشاركنا شغفنا وتطلعاتنا التي لا نري للحياة طعما من دونها.
وفي غربتنا العائلية، نشعر بأننا غير مفهومين أو غير مقبولين من أسرنا نتيجة لاختلاف وجهات نظرنا أو طريقة نمط حياتنا، أو حتى، بسبب الفوارق العمرية بيننا وبين أجيالنا.
في هذه الحالة، نشعر بالغربة القاتلة التي تغتالنا داخل منازلنا وبين أقرب الناس إلينا، ويتعذر التواصل المفيد، والتفاهم المشترك بيننا.
هذه الغربة تجعلنا نعيش انفصالا عاطفيا رغم وجودنا الجسدي مع أبنائنا وعوائلنا، فتدفعنا للبحث عن قنوات أخرى للتعبير عن ذواتنا وإيجاد من يفهمنا خارج نطاق بيوتنا وأسرنا.
وكذلك في غربتنا المهنية نجد أنفسنا نعمل في بيئة لا تتوافق أهدافها وأسلوب عملها مع قيمنا ورؤيتنا المهنية، ونشعر بالغربة أكثر إذا كانت هذه البيئة لا تدعم مبادراتنا الأخلاقية أو تعيق تطلعاتنا المهنية.
في مثل هذه الحالة يكون تفاعلنا مع زملائنا محدودا، ويصبح من الصعب علينا الانسجام معهم، بسبب اختلاف المبادئ والأهداف والقيم، والشعور بالغربة في مكان العمل يؤثر سلبا على أدائنا ورضانا عن مهنتنا، ويدفعنا للتفكير في البحث عن بيئة مهنية أخرى تتوافق مع قيمنا وأهدافنا الشخصية.
أما في حال غربتنا النفسية فإننا نشعر بالعجز التام عن التواصل العاطفي أو الفهم المتبادل مع الآخرين، ونبدو وكأننا نعيش في عالم داخلي خاص بنا لا يستطيع أحد الوصول إليه، ويرافق هذه الغربة شعور بالحزن العميق لا نستطيع التعبير عنه أو مشاركته مع المحيطين بنا، مما يزيد من إحساسنا بالغربة والوحدة أكثر فأكثر، حتى و ان كنا محاطين بأشخاص مقربين، فإننا نشعر، وكأننا وحيدين مع معاناتنا، وغير قادرين على إيجاد من يفهمنا أو يشاركنا مشاعرنا بشكل حقيقي.
هذه الغربة النفسية تؤدي إلى توتر داخلي وصراع نفسي، ونشعر فيها بأننا غير قادرين على الاندماج مع الآخرين رغم وجودهم من حولنا، وتتفاقم مع مرور الوقت حتى تجعلنا نميل إلى الانطواء أو الانعزال عن مجتمعتنا، ونبدأ في فقدان الثقة في قدرتنا على التواصل مع من يعيشون من حولنا تدريجيا، ولكن سرعان ما نعالج هذه المشاعر بالبحث عن طرق للتعبير عن أنفسنا، بالكتابة أو ممارسة الفنون المختلفة الأخرى، في محاولة للعثور على وسيلة مثالية للتواصل مع عالمنا الخارجي.
أما غربتنا العمرية فهي غربة كارثية بمعنى الكلمة تُحدث فجوة بيننا وبين أجيالنا المختلفة، ونشعر معها ككبار سن بعدم قدرتنا على فهم التوجهات الجديدة أو التكنولوجيا التي يتعامل بها شبابنا بكل سهولة، فتجعلنا نشعر بالعزلة وفقدان الانتماء في عالم يتغير بسرعة، مما يجعلنا نشعر برغبة شديدة في بالانفصال عن مجتمعنا، ونتسبب في تباعد العلاقات بيننا وبينهم، ويصعب علينا بعد ذلك التواصل معهم وفهم بعضنا البعض.
(يتبع…)
جمييل ما شاء الله
أحسنت الطرح استاذ محمد
فعلا ذاك ما نعيشه
👍👍👍👍👍
شعور الغربة
شعور طبيعي فالحياة تتغير وكثير من الأشياء تذهب
وبما أن الحاجة للآخر شعور فطري فنحن دائما نبحث عمن يشبهنا والحمد لله أنهم معنا يقاسمونا الاغتراب والحنين
من أجمل ما قرأت
مبدع أستاذ محمد