تموت البيوت

عندما يرحل الأب والأم، لا تموت البيوت فحسب، بل تنطفئ شعلة الحياة في قلوب المجتمعات بأكملها. هذه الحقيقة المؤلمة لا يدركها إلا من ذاق مرارة الفقد وعاش لحظات الوداع الأخير. دعونا نغوص في أعماق هذه الظاهرة التي تمس جوهر الإنسانية انطفاء شمس الحياة عندما يغيب الأب، يخيم ظلام دامس على البيت. فالأب هو المنارة التي تضيء دروب الحياة لأبنائه، وبغيابه تفقد الأسرة بوصلتها وحصنها المنيع. وحين ترحل الأم، يفقد البيت روحه ودفئه، كأنما انطفأت شمس الحياة التي كانت تبعث الدفء في كل ركن وزاوية بركة تتلاشى كالسراب يُقال إن بركة البيت تتبخر كقطرات الندى تحت أشعة الشمس الحارقة برحيل الوالدين. فهما نبع الخير والبركة، بدعواتهما الصادقة وحكمتهما العميقة ورعايتهما اللامتناهية. وعندما يغيبان، يشعر الأبناء وكأن كنزًا ثمينًا من كنوز السعادة قد ضاع منهم إلى الأبد. ذكريات محفورة في الصخر من فقد والديه يجد نفسه يعيش في متحف من الذكريات لا تنتهي جدرانه. كل ركن في البيت، كل عيد مر، وكل مناسبة عائلية تحمل في طياتها صدى ضحكاتهم العذبة وهمساتهم الحانية. يستعيد الإنسان شريط طفولته، حنان الأم الذي لا يضاهيه حنان، وقوة الأب التي كانت الدرع الواقي في وجه عواصف الحياة. سيناريو مؤلم يتكرر كالموج كأن الحياة تعيد علينا مشهدًا مؤلمًا، يتجدد فيه وجع الإنسان كلما عاد بذاكرته إلى زمن الطفولة البريء. تلك الأيام التي كانت فيها الابتسامة سهلة المنال، والهموم خفيفة كريشة في مهب الريح، والمستقبل مشرقًا كشمس الصباح بوجود الوالدين. “كل ما أزور بيت الوالد ونظري يجول في أرجاء المنزل، أسمع صدى الذكريات يتردد في جنباته. أصبح المنزل مهجورًا، خاليًا من الحياة، وأجد نفسي أذرف الدموع على ذكريات الماضي وفراق من أحببت. المجتمع يتألم بصمت لا يقتصر الألم على الأسرة وحدها، بل يمتد ليشمل نسيج المجتمع بأكمله. فالآباء والأمهات هم أعمدة المجتمع الراسخة، يحملون في قلوبهم حكمة الأجيال وخبرات السنين. وبرحيلهم، تفقد المجتمعات جزءًا لا يعوض من هويتها وتراثها الثمين. تحدي النسيان المستحيل يتحدى البعض فكرة نسيان الوالدين بعد رحيلهم، ولكن هيهات! فمن ينسى والديه إلا من فقد إنسانيته وأضاع بوصلة قلبه؟ الذكريات تبقى حية نابضة، تؤنس في لحظات الوحدة القاسية، وتواسي في أوقات الحزن الثقيلة، وتلهم في ساعات الضعف والوهن. والخاتمة إحياء الروح في البيوت الصامتة تموت البيوت بالمعنى المادي برحيل الأب والأم، ولكن تبقى أرواحهم حية في قلوب من أحبوهم. فلنحافظ على ذكراهم العطرة، ولنحيي قيمهم النبيلة في حياتنا اليومية، ولنبني مجتمعاتنا على أساس الحب والاحترام الذي غرسوه فينا.
سمير الفرشوطي
كاتب رأي
لافض فوك كاتبنا المبدع
👍👍👍👍