قبل أن يرحلوا…!

د. دخيل الله عيضه الحارثي
قبل أن يرحلوا…!
يا بني، يا زهرة العمر، ويا قبس الأمل المضيء…
قفْ قليلًا على شرفة قلبك، وأنصت لنداء لا يسمعه إلا من رقّ قلبه وصفت روحه: نداء البر، نداء الرحمة، نداء الوالدين.
إنهما البابان المفتوحان للجنة، والظلال الوارفة في هجير الحياة.
هما الدعوة المباركة في جوف الليل، واليد الحانية التي كانت يومًا تحملك وتضمك وتربّت على رأسك بحنان لا يوصف.
هما القلب الذي غفر لك ألف زلة، والدعاء الذي سبقك في كل خطوة، والصدر الذي ضاق بكل شيء واتسع لك.
أي بني، لا تنتظر لحظة الفقد حتى تبكي بكاء الندم، وتعضّ على أناملك ألمًا، وتحدّق في الصور القديمة والدمع يغسل خديك.
لا تنتظر أن يصبح رقم والدك خارج التغطية، ولا أن يُمحى اسم أمك من قائمة المتصلين، لتدرك أنك كنت مشغولًا عنهم بسفاسف الحياة.
ابررْ بهم وهم بين يديك، واسقِ أرواحهم بحنانك كما سقوك بحبهم.
قبّل يد أمك، واطلب رضا أبيك، لا تنتظر المناسبات ولا الأزمات لتظهر محبتك.
اذهب إليهم في ساعات الصفاء، لا في لحظات الوداع.
اسأل عنهم، اجلس معهم، شاركهم حديثهم، اسمع همومهم، فكم أخفوها عنك كي لا يثقلوا عليك.
واخدمهم، فخدمة الوالدين شرف لا يناله إلا من رقّت نفسه وسَمَتْ همته.
اعلم يا بني أن القلوب تئن بعد الرحيل، لكن الراحل لا يسمع.
وأن الرسائل التي لم تُكتب، والاتصالات التي لم تُجرَ، والزيارات التي أُجّلت، تتحوّل بعد فوات الأوان إلى سياط من ندم، لا تُطفئها دموع العالم كلّه.
فلا تكن من أولئك الذين قالوا يومًا:
“ليتني كنتُ معهم أكثر، ليتني احتضنتهم، ليتني قلت لهم كم أحبهم…”
افعل اليوم، واغتنم النعمة قبل أن تغيب.
كن برًّا، تكن عظيمًا عند الله، وتُرزق بركة في عمرك ومالك وأبنائك، وتُمنح سكينة في قلبك لا يهبها إلا من عرف البرّ بوالديه في حياتهم وبعد الممات.
فالبرّ لا يُؤجّل، والوداع لا يُمهل، والحياة لا تعود للوراء.
كاتب رأي