نهج السعادة .. احتياجات (الجانب الجسدي)1

الهدف الأول الذي يجب على الفرد أن يضعه في المقدمة لحياة مفعمة بالسعادة والنجاح ، هو (سلامة الجانب الجسدي)..
عن أَبِي جُحَيْفَةَ وَهبِ بْنِ عبداللَّه قَالَ: “آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْن سَلْمَانَ وأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاء مُتَبَذِّلَةً فقالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قالَتْ: أَخْوكَ أَبُو الدَّرداءِ ليْسَ لَهُ حَاجةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدرْدَاءِ فَصَنَعَ لَه طَعَاماً، فقالَ لَهُ: كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ، قالَ: مَا أَنا بآكلٍ حَتَّى تأْكلَ، فَأَكَلَ، فَلَّمَا كانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْداءِ يقُوم فَقَالَ لَه: نَمْ فَنَام، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُوم فقالَ لَه: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ من آخرِ اللَّيْلِ قالَ سلْمانُ: قُم الآنَ، فَصَلَّيَا جَمِيعاً، فقالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، ولأهلِك عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكر ذلكَ لَه، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : صَدَقَ سلْمَانُ” رواه البخاري..
من هذا الحديث الشريف نبدأ وعليه نرتكز ، فالجانب الجسدي في حياة الإنسان يتضمن مجموعة من الاحتياجات الأساسية التي تؤثر على صحته وعافيته ، وتعتبر تلبية هذه الاحتياجات ضرورية للحفاظ على جسم سليم ومتوازن مفعم بالنشاط ومقبل على الحياة..
إليك أهم الاحتياجات الأساسية للجانب الجسدي:
١- التغذية السليمة:
(الهواء،الطعام،الشراب) ركيزة المسلم في حاجته للطعام والشراب مشروط بكونهِ يجب أن يكون حلال عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا ، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [المؤمنون:51] ، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) [البقرة:172]، ثم ذكر الرجلَ يُطيل السفر. يعني: ذكر النبيُّ الرجلَ يُطيل السفر. أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟! ” رواه مسلم..
مع مراعاة عدم الإفراط في ذلك الطعام والشراب لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(7) سورة الأعراف
ويقصد بالاسراف هنا مجانبة التخمة وادخال الطعام واقحام الجسد فوق طاقته من الغذاء..
وعن أَبي كَريمَةَ المِقْدامِ بن مَعْدِ يكَرِب قالَ: سمِعتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله علية وسلم يقولُ: “ مَا ملأَ آدمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإِنْ كَانَ لا مَحالَةَ فَثلُثٌ لطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشرابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ “ رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ..
فالرسول الكريم حث على تقسيم المعدة أثناء الأكل لثلاث أقسام جزء للأكل وجزء للماء وجزء للهواء ، وهذه الوصية تحافظ على جسد وقوام الفرد..
التغذية السليمة للجسد تبدأ من وجبة الإفطار فهي الأساس لبداية يوم طويل ، على الفرد أن يتناول غذاء متوازن يوفر العناصر الغذائية الضرورية مثل البروتينات، الكربوهيدرات، الدهون الصحية، الفيتامينات، والمعادن..
التغذية السليمة تدعم وظائف الجسم وتقوي الجهاز المناعي وتحافظ على قوام الإنسان الجسدي والنفسي ..
٢- شرب الماء:
قال تعالى في سورة الأنبياء “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ”آية (30)..
الماء ضروري لجميع وظائف الجسم، حيث يساعد في نقل العناصر الغذائية، والتخلص من السموم، والحفاظ على درجة حرارة الجسم يجب شرب كمية كافية من الماء يوميًا، وفقًا لاحتياجات الجسم ونمط الحياة..
٣- النوم الكافي والراحة والاسترخاء :
النوم الجيد والمنتظم الذي يجب أن يمتد للبالغين من سبع ساعاتٍ لثماني ساعاتٍ ليلاً ، لا نهاراً ، قال تعالى في سورة النبأ الآية العاشرة : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) أي غطاء وراحة جسدية ونفسية من عناء ومشقة العمل طوال النهار..
يسهم في إصلاح وتجديد الخلايا ويحسن المزاج والأداء العقلي والجسدي ، بينما الأطفال يوصى لهم بالنوم من سبع ساعاتٍ لعشرٍ ، فما زالوا في طور النمو ..
كما أوصى ديننا الإسلامي الحنيف بوقت القيلولة ، نوم القيلولة مستحب ، وما كان مستحباً فهو من قبيل العبادات سواء اتفق كونه من العادات أم لا ، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله: “قيلوا فإن الشياطين لا تقيل” والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع..
القيلولة وقت الراحة الممتد من ربع ساعة لنصف ساعة يحتاجها الجسد بعد عمل طويل وشاق خلال النهار وقد حدد وقتها بعد صلاة الظهر إلى قُبيل صلاة العصر ، القيلولة وقفة قصيرة في مسير الحياة اليومية ، لاستعادة النشاط وتصفية الذهن لمعاودة الانطلاق ، فترة يخلد فيها الإنسان إلى السكينة للاسترخاء والاستراحة ، أو للتأمل والتفكير ، أو لتفريغ شحنات الهواجس والقلق
الراحة مهمة لتعافي العضلات وتقليل التعب الجسدي ، يمكن تخصيص وقت للاسترخاء والاستمتاع بالأنشطة المريحة مثل التأمل أو اليوغا….
٤- التمارين البدنية:
أوصى بها نبينا الكريم ما أخرجه البيهقي في “شعب الإيمان” عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ، وَالْمَرْأَةَ الْمِغْزَلَ»..
ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تعزز اللياقة البدنية، وتقوي العضلات والعظام ، وتزيد من الطاقة وتحسن الصحة العامة ، كما أن التمارين تساعد في تقليل التوتر وتعزيز الصحة النفسية..
ونستكمل حديثنا عن أهم الاحتياجات الأساسية للجانب الجسدي في مقالنا القادم ..
أحلام أحمد بكري
كاتبة رأي