كُتاب الرأي

القراءة من عصر الإحباط لعصر الإبداع

محمد الفريدي

القراءة من عصر الإحباط لعصر الإبداع

يقول موشي دايان، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق:
(العرب لا يقرأون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبقون، وإذا طبقوا لا يتقنون).
هذه المقولة، التي جاءت على لسان هذا الصهيوني الحاقد، تثير عدة تساؤلات حول واقعنا بالأمس وواقعنا اليوم، ولكن هل يمكن أن نقول أنها صحيحة 100%؟

أنا متأكد أن هذه الجملة كانت آنذاك محاولة إسرائيلية ذكية لزرع الإحباط في نفوسنا وخلق صورة سلبية عنا، ولكني كنت الوحيد الذي يرى أنها تحمل في نفس الوقت دعوة ضمنية لمراجعة ذواتنا، والسؤال المهم عندي هو ليس ما إذا كانت هذه المقولة صحيحة أم لا، بل هو هل نحن علي استعداد لتغيير هذه الصورة النمطية أم لا؟

القراءة والفهم والتطبيق والإتقان هي مقومات أساسية للتقدم والنجاح، ورغم الصعوبات الكثيرة التي مررنا بها فيما مضى، فقد أثبتنا للعالم قدرتنا على التفوق والإبداع في مختلف المجالات، فعلينا إذن أن ننظر إلى هذه المقولة كمحفز للتغيير والنهضة والنهوض، وفرصة لتجاوز العقبات، وليست كمصدر للإحباط والاستسلام.

للأسف، هناك منا من لا يزال يروج لمقولة هذا الصهيوني المجرم باعتبارها حقيقة مسلمة، اما الكاتب المصري جلال أمين رحمه الله، فقد كان كاتبا شهما استخدم عبارة هذا الصهيوني في كتابه (ماذا حدث للمصريين عام 2000؟)، وعبّر عن وجهة نظره حول تدني نسبة القراءة بين العرب مقارنة بغيرهم من الأمم الأخرى.
ورفض الاستهانة بالعقل العربي، موضحا أن الفشل في تحويل المعرفة إلى عمل يعود لعدة عوامل هيكلية وسياسية معقدة، منها مثل التعليم الضعيف والقيادة غير الكفؤة، وليس لقصور ثقافي في أبناء المجتمعات العربية.
ومع أن أمين كان يسعى لتسليط الضوء على مشكلة حقيقية تتعلق بالقراءة والفهم إلا إن تكرار هذه المقولة في كتبنا ومجالسنا ومنتدياتنا يسهم في ترسيخ صورة سلبية عن مجتمعاتنا العربية، وفي أذهان أجيال أمتنا القادمة، ويجعلها تتجاهل الجهود الإيجابية التي يبذلها الكثيرون في سبيل نشر الثقافة والمعرفة، فبدلا من الاستسلام لهذا السرد الصهيوني السلبي الخبيث، يجب أن نركز على تقوية شغف أجيالنا القادمة على القراءة، وخلق بيئة تحفزهم على التفكير والإبداع.

هذا العبارة الصهيونية الحقيرة، حسبما أعلم، لازالت محل خلاف واسع في الأوساط الثقافية والأدبية والإعلامية العربية، ومع ذلك، فإنني ما زلت أرى أن الصورة تختلف تماما عن ما ورد فيها، وأن العرب يقرأون، وإذا قرؤوا يفهمون، وإذا فهموا يطبقون، وإذا طبقوا، يتقنون.

إن هذه الرؤية الإيجابية تعكس إمكانياتنا وقدراتنا كشعب سعودي شغوف بالقراءة والحصول على المعلومة والمعرفة، بفضل تشجيع معلمينا على القراءة وتقوية وعينا بأهمية الوعي والفهم والتطبيق في الصفوف الأولى حتى أصبحت القراءة عندنا ليست مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل مفاتيح لفهم العالم من حولنا، وتطوير أنفسنا، وتعلم أمور ديننا ودنيانا، وأنها تأخذنا في رحلة فكرية عبر الزمن والثقافات الأخرى، وتمكننا من رؤية العالم بعيون الآخرين، ونفهم من خلالها تجاربهم وحكمتهم، وهي كالطعام الذي يغذي أجسادنا وعقولنا، وتمنحنا الأدوات الأزمة والسليمة للتفكير بشكل عميق.

إن تقوية ممارسة عادة القراءة في مجتمعنا هو أمر بالغ الأهمية، فكل كتاب نقرأه يضيف بعدا جديدا لتجربتنا الفكرية والحياتية المختلفة، ويفتح أمامنا بابا جديدا من أبواب التفكير والإبداع.

فلا تبحثوا من تجربة شخصية إلا عن الكتب التي تجعلكم تعيدون النظر في مفاهيمكم وقناعاتكم، فالكتب التي لا تدفعكم للبحث عن ذلك كتب لا تصنع تغييرا حقيقيا في حياتكم، لذا، اختاروا الكتب التي تثير فضولكم، وتفتح أمامكم آفاقا جديدة، فكل كتاب من هذه الكتب يحمل في طياته فرصة للتعلم والمعرفة، ويساعدكم في تطوير وجهات نظركم، ويعزز معرفتكم بما يدور من حولكم.

ففي هذا العصر، أصبحت المعلومات متاحة في كل مكان للجميع، ولذلك يجب علينا أن نكون أذكياء في اختيار ما نقرأ، ولا ننجرف وراء العناوين البراقة والشهرة السطحية لبعض الكتب وبعض الكتّاب.
اختاروا الكتب التي تثير فضولكم، والتي تعكس اهتماماتكم، وتشعرون أنها ستضيف شيئا جديدا إلى عقولكم وحياتكم، ومن المهم أيضا أن تكون لديكم القدرة على تقييم المحتوى، فليس كل ما يُكتب يستحق ان يقرأ.
ابحثوا عن الكتب التي توفر لكم المعرفة العميقة، وتساعدكم في تطوير مهاراتكم وتوسيع آفاقكم وأفكاركم وخيالاتكم.

وفي كل مرة تفتحون فيها كتابا، لا تنظروا إليه على أنه مهمة مملة أو عبء يجب الانتهاء منه بسرعة والسلام، بل اجعلوه فرصة للاستمتاع والاستفادة، فالقراءة ليست مجرد وسيلة لتجميع المعلومات وتخزينها، بل هي عملية مهمة لتنمية الإبداع وزيادته وتوسيع الآفاق والخيال.

اجعلوا من كل كتاب رحلة جديدة، وستكتشفون من خلاله عوالم وأفكارا جديدة، وامنحوا أنفسكم الحرية والوقت في التأمل والتفكير العميق فيما تقرؤونه، فكل صفحة تحمل دروسا قيمة وإلهاما يغير من نظرتكم الي الحياة.

ومن هنا حق لنا ان نتساءل: ما الذي يمنع أبناءنا من قراءة الكتب؟
هل هو ضيق الوقت، أم تفضيل وسائل الترفيه السريعة على القراءة؟
ربما يكمن الجواب في أنه لم تُغرس فيهم منذ الصغر عادة القراءة كجزء أساسي في حياتهم كما كانت تُغرس فينا من قبل.
لا يزال الوقت متاحا للتغيير، ويمكننا أن نبدأ من اليوم بغرس هذه العادة في حياة أطفالنا، فالقراءة ليست فقط مصدرا للمعرفة، بل هي أيضا وسيلة لتقوية ملكات الإبداع والخيال، فمن خلال تخصيص بعض الوقت يوميا للقراءة، نستطيع أن نعيد لهذه العادة المنسية قيمتها، ونعلم الأجيال القادمة أهمية الكتب ودورها في تشكيل شخصيتهم وتوسيع آفاقهم، فلنبدأ بتحديد أوقات معينة في الصفوف الدراسية الأولية لنغرس فيهم حب القراءة، من خلال مطالبتهم بقراءة قصص او صفحات من كتاب في الفصل بصوت عال أو من خلال إلقائها في الإذاعة المدرسية.
فالكتاب هو أعظم صديق يمكن أن يكون لهم، فهو لا يخذلهم، ولا يتخلى عنهم، ويقدم لهم العون والنصيحة متى ما أرادوا، وكلما ازدادوا اهتمامهم به، ازدادوا فهما للعالم من حولهم ولأنفسهم.

فهو النافذة السحرية التي تطل على تجارب وخبرات متنوعة، وتمنحهم القدرة على استكشاف أفكار جديدة، وتوسع آفاقهم، وهو من يأخذهم في رحلات إلى عوالم بعيدة، ويتيح لهم فرصة التعرف على وجهات النظر المختلفة، ويُسهم في تشكيل شخصياتهم وتطوير قدراتهم، فلنحرص على أن يكون الكتاب رفيقهم الدائم ليرى أحفاد موشي دايان ان كنا أمة تقرأ وتفهم وتطبق، او أمة من الرعاع لا قيمة لها، ولا وزن على الإطلاق.

كاتب رأي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫5 تعليقات

  1. كاتبنا القدير الأستاذ محمد علي الفريدي رئيس التحرير تحية وبعد:
    مقال رائع وفيه وقفات كثيرة ودراسة متأملة في البُعد الثقافي الذي يعيشه واقعنا المعاصر وأسمحلي أن أتجاوز العداء التاريخي مع الكيان الصهيوني وتحديد الفترة في إدارة رئيس وزرائها موشي ديان الحاقد الذي مارس الإجرام والقتل في أبشع صوره ودعنا نشترك سويا في السؤال التالي :
    ما نسبة حصيلة القاريء العربي من الثقافة وما نوع الكتب التي يقرأها وهل لدينا نسب إحصائية؟
    عطفا على مايشغل المثقف العربي المعاصر تأتيك الإجابة بين الأقواس التي عجزت الدراسات المتخصصة في الحصول على إجابات تشكل شفافية بعكس مستوى القاريء العربي في فترة ما قبل الستينات من القرن الماضي.
    شكرا لطرحك لهذه المواضيع المُلِحَّة.

  2. مقالك يااستاذ محمد رائع و يعكس عمق التفكير وجرأة الطرح ، حيث استطعت أن تأخذ مقولة موشي دايان لتكون نقطة انطلاق نحو تأمل واقعنا والتحديات التي نواجهها.
    من المهم أن نعيد النظر في مثل هذه الأفكار السلبية ، وأن نتبنى نظرة إيجابية تدفعنا نحو التحسين والتطور .
    إن استعراضك لواقعنا اليوم وقدرتنا على الإبداع يبعث الأمل في نفوسنا ويشجع على العمل نحو مستقبل أفضل . شكراً لك أستاذنا على هذا التحليل المميز الذي يدعو الجميع للتغيير والنمو 👍.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى