كُتاب الرأي

اخلع نعليك فإنك بالوادي المقدس طوى

روان الوذيناني

اخلع نعليك فإنك بالوادي المقدس طوى

حين تتجلى قدسية المكان، ويهمس التاريخ بصوتٍ مهيب، تنحني الأرواح احترامًا، وتستكين القلوب خشوعًا. ليست كل البقاع كغيرها، فهناك أماكن اختصها الله بجلالٍ لا يدركه إلا من تذوق رهبة الوقوف على أبوابها. ومن هذه البقاع المباركة، “الوادي المقدس طوى”، حيث كل خطوة فيه تحكي قصة من العظمة، وكل ذرة ترابٍ تحمل سرًّا من أسرار النور.

قدسية المكان والتاريخ

عندما خاطب الله نبيه موسى عليه السلام قائلًا: “فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى”، كان ذلك إيذانًا بعظمة المكان، ودلالة على قدسيته التي تستوجب التواضع والخشوع. فالوادي الذي شهد أعظم الحوارات الإلهية وأولى تجليات الوحي، لم يكن مجرد بقعة جغرافية، بل رمزًا للطهر والتجرد من كل ما هو دنيوي عند لقاء المقدس.

في هذا الوادي، خلع موسى عليه السلام نعليه لا طاعةً للأمر الإلهي فحسب، بل إدراكًا لمعنى التجرد، فالقدسية ليست في الأقدام، وإنما في القلوب التي تعي مقامها. وهنا تأتي الرسالة الأعمق: حين تلامس قدماك أرضًا طاهرة، لا تكتفِ بخلع نعليك، بل دع روحك تتجرد من أدران الدنيا، ليكون اللقاء أسمى.

القيمة الرمزية للعبارة

“اخلع نعليك” ليست مجرد أمر مادي، بل دعوة للتخلي عن كل ما يحجب النقاء الداخلي، عن الضوضاء التي تعكر صفو الفطرة، عن القيود التي تثقل الروح. في كل زمان ومكان، هناك لحظات تتطلب من الإنسان أن يخلع “نعليه” بمعناهما الرمزي: الكبرياء، التشتت، الأحقاد، وكل ما يحول بينه وبين الصفاء.

فكم من “وديان مقدسة” نمر بها دون أن نشعر؟ وكم من محطاتٍ تستوجب أن نترك خلفنا ما يعيقنا عن رؤية الحقيقة؟ إن استشعار هيبة المكان واللحظة لا يتطلب فقط خلع النعل المادي، بل يستوجب أن نواجه ذواتنا، أن نضع أقدامنا على أرضٍ جديدة بقلبٍ طاهر، ونقاءٍ يستحق السمو.

رسالة اليوم

في عالمٍ يعج بالضجيج والصراعات، لعلنا نحتاج إلى “الوادي المقدس” في حياتنا اليومية، ذاك المكان الذي نتوقف فيه للحظة، نتأمل، نراجع أنفسنا، ونتخفف من أعبائنا النفسية. كل إنسان يملك “طوى” خاصًا به، حيث يجد السلام ويشعر بوجود الله بقلبه. فهل نمتلك الجرأة على خلع نعلينا والدخول بعقولٍ متجردة، وقلوبٍ صادقة؟

إننا بحاجة لأن نعيش هذه العبارة في تعاملاتنا، في مواجهاتنا للحياة، وفي اختياراتنا. فليكن لكلٍ منا وادٍ مقدس، نقف عنده بتجرد، نخلع فيه ما لا يليق، ونسير بنقاءٍ يليق بالمقام.

كاتبة رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى