(كبر رأسك لا تكبر عضلاتك)

اللواء/ محمد سعد الربيعي
قد يكون عنوان المقال غريباً نوعاً ما، ولكنني سأعود له بعد توطئة عنه وعما يدور في خلد شبابنا في الوقت الراهن.
عاش جيلنا جيل الثمانينات الهجرية حياة بدأت عليها القسوة وشظف العيش ، وكان جيلها يفتقد لأغلب مانراه الآن من خدمات راقية في التعليم والمواصلات والخدمات الأخرى اللوجستية التي تساعد الطلبة والطالبات في التميز في تحصيلهم العلمي .
بالطبع كان جيلنا ومن كان قبلنا ومن أتى بعدنا لنهاية التسعينات الهجرية مر بظروف قاسية في تحصيله العلمي ، وكأن من كان حينذاك هو كمن يحفر في الصخر للحصول على العلم ، كنتيجة وعوامل كثيرة منها قلة المال بحد ذاته الذي يجعل من الصعوبة بمكان مواصلة التعليم ، فقد كان الكثير من تزاملنا معهم أكمل فقط الشهادة الإبتدائية وذهب إلى السلك العسكري في الجيش أو الأمن الداخلي ، وكان يُعطى رتبة جيدة ( كصف ضابط) ، وكذلك راتب لابأس به في تلك الفترة يسد به حاجته وحاجة أسرته من الفاقة ، كان والدي رحمه الله يخبرني عن بعض الأسر في منطقتنا خارج الطائف ويقول لولا أن لبعض الأسر إبن ويعمل كعسكري لتعب أهلهم في إيجاد مصدر رزق لهم خاصة وأن الأغلب منهم يعتمد على الزراعة التي تعتمد هي بدورها على الأمطار الموسمية التي تسقط في أوقات معينة من السنة ، أو على الرعي لمن يتيسر له أن يملك أغنام يستفيد منها ، هكذا كانت الحياة في تلك الفترة الماضية .
قامت حكومات دولتنا أدام الله عزهم وقيادتهم بالإهتمام بالتعليم وتأمين ضمان إجتماعي للأسر المحتاجة ، وعملت على أوجه كثيرة لمساعدة المواطنيين ، ومنها مساعدتهم في بناء منازل عبر صندوق التنمية العقاري الذي شهدت المملكة حينه لثورة عمرانية إستفاد منها السواد الأعظم من المواطنيين ، حتى من أهالي القرى والهجر التي توجهت للمدن واستقرت فيها ، وتغيرت حينها أحوالهم وظروف التعليم لذلك الجيل السعودي الذي شعر بالفرق بينه وبين أسلافه في التحصيل العلمي.
حرصت الدولة على التعليم وبناء المدارس والجامعات وهو أمر لم ينقطع منذ مؤسس هذا الكيان العظيم إلى الآن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أطال الله في عمره ، حيث رأت الدولة أهمية التعليم فيسرت كل مايمكن أن يساهم في زيادة تحصيل شبابنا وشاباتنا الذين ولله الحمد أدوا قدرات فائقة وعالمية وتجاوزنا بمراحل كبيرة دول عالمية متقدمة في هذا المجال .
أعود لعنوان المقال ، لدي إبن بارك الله فيه متخرج حديثاً من الجامعة ومُسّجِلْ في أحد النوادي (صالات اللياقة البدنية) التي للأسف ملأت كل زاوية من زوايا أحيائنا وشوارعنا وأجد منه أحياناً إزعاج في طلباته وتأخره وتضييع وقته ، وهو أمر لا يعجبني ولا أرتاح له ، ودايماً أكون وإياه في محاولة إقناع أن يكبَّر رأسه وليس عضلاته، لأن العلم والإستزادة منه هو ما أراه مهما، بينما هو يقف في الجانب الآخر ويرى أن فكرته هي الصح ، ولازالت الهوة بيني وبينه كبيرة في محاولة أن يقنع كل منا الآخر!
أقول أن مراكز اللياقة وجدت في أبنائنا صيداً ثمينا ، وأرهقت أهاليهم بالفواتير المرتفعة وجنت تلك المراكز أرباح خيالية من الشباب المندفعون لها نتيجة تغرير تقوم به تلك المراكز ينصب على بناء كتلهم الجسمانية والعضلية دون أن يكون هناك مكتبه يجد فيها المتدرب متسعاً من الوقت يقضيه بين إستراحات التدريب.
لست هنا في موقف المعارض لهذه المراكز ولا لشبابنا فالعقل السليم في الجسم السليم ، ولكن يجب أن تقدم الأولويات والأهم على المهم وأن يبادر الشاب والشابة منذ تخرجه للبحث عن عمل يتناسب مع قدراته العلمية والعملية ، وأن لايتواكل بل يشمر عن ساعديه ويطور نفسه في عمله من خلال أخذ دورات وحضور البرامج المتخصصة ، وكذلك الندوات ، وأن يبادر لتلقي كل جديد في مايضيف لتطوير نفسه وبالتالي عمله، وليحظى بثقة رؤسائه مع عدم إنقطاعه عن مواصلته للدراسة ، كما يجب عليه أن يحب عمله ويرفع من شأنه أمام أقرانه الآخرين ، ولا يتأفف منه ومن ممارسة الدوام أو التكاسل فيما يكلف به من عمل من قبل رؤسائه ، وأن يبتعد عن الغياب ، أو إيجاد الأعذار التي تؤخره عن الحضور لموقع عمله ، وهذه الأمور تعد من أسباب النجاح والترقي في سلم الوظائف ، وبالتالي سيصبح هذا الموظف الصغير كبيراً في يومٍ من الأيام نتيجة تفانيه في أداء عمله ومواظبته عليه وإحترام رؤسائه وتقدير قيمة الوقت، وهذا ماكان له علاقة في تضييع وقته بين مراكز اللياقة ، وإهدار وقته بين مركز وآخر في ظل البحث عن تخفيضات وإعفاءات وتقسيط تكاليف تكبير العضلات دون تكبير الرأس !
إن العلم نور والجهل ظلام ، وقيل في العلم ( العلم يبني بيوتاً لاعماد لها ، والجهل يهدم بيت العز والشرف ) هكذا قيل في العلم وليس في تكبير وتفتيل العضلات التي لن تؤكل صاحبها عيشا ، فليت أبنائنا يلتفتون ويدركوا أهمية العلم لنواكب كل جديد فيه ونرفع من شأن أنفسنا ، وشأن دولتنا ليساهم شبابنا في المشاركة في تطوير ونجاح رؤية ولي عهدنا وملهم هذه الأجيال من شبابنا، وبالتالي نصل بدولتنا للعالم المتقدم ، ونساهم في حماية أمنها وإقتصادها وكيانها العظيم بين الدول ، هذا هو الأهم في حياتنا وحياة شبابنا وليس مراكز تكبير العضلات لشباب مملكتنا العظمى.
كاتب رأي