كُتاب الرأي

رواية عن الإلهام

بقلم الكاتبة / سلامة المالكي

الإلهام هو تلك القوة الخفية التي تدفع الإنسان إلى الابتكار والتفكير خارج الصندوق، وهو الشرارة التي تضيء طريق الإبداع وتفتح آفاقًا جديدة أمام العقل البشري. يعدّ الإلهام أحد أسرار الحياة، حيث يظهر في لحظات غير متوقعة، ويتسلل إلى الأذهان عبر فكرة عابرة، أو مشهد طبيعي، أو حتى من خلال حوار بسيط. لكنه، على الرغم من غموضه، يمثل دافعًا قويًا للإنجاز وتحقيق الأحلام.
في ليلة هادئة، جلست سارة أمام نافذتها، تتأمل السماء المظلمة المرصعة بالنجوم. كانت تبحث عن شيءٍ ما، عن فكرة تلامس روحها وتشعل حماسها. منذ فترة وهي تشعر بجفاف إبداعي، وكأن الأفكار قد هجرتها، ولم تعد قادرة على كتابة قصة جديدة تثير شغف القراء كما كانت تفعل دائمًا.
تذكرت كلمات جدتها التي كانت تقولها لها عندما كانت طفلة: “الإلهام كالنهر، يتدفق بهدوء أحيانًا ويجرفك بقوة أحيانًا أخرى. فقط انتظري، ودعي قلبك مفتوحًا له”. كانت سارة دائمًا ما تجد في كلمات جدتها تلك الحكمة العميقة التي كانت تشعر بأنها ترشدها في أوقات الحيرة.
في تلك اللحظة، وبينما كانت عيناها تتأملان النجوم، لاحظت نجمة ساطعة تختلف عن باقي النجوم. كانت أكثر لمعانًا، وكأنها تناديها. شعرت بشيءٍ غريب، كأن هذه النجمة تحمل لها رسالة، أو ربما كانت تذكيرًا بأن الإلهام يمكن أن يأتي من أي مكان، حتى من السماء ذاتها.
بدأت فكرة تراودها. ماذا لو كانت هذه النجمة بوابة لعالم آخر؟ عالم مليء بالقصص والشخصيات الغامضة؟ عالم يتجاوز حدود الواقع، حيث يمكن لكل شيء أن يحدث؟ بدأت الأفكار تتدفق في ذهنها كالنهر، تمامًا كما وصفت جدتها. لم تستطع سارة مقاومة هذا التدفق، فأسرعت إلى مكتبها وبدأت تكتب.
كلما كتبت سطرًا، شعرت بأن الإلهام يتعمق في داخلها. بدأت ترى الشخصيات بوضوح، وتسمع أصواتهم، وتشعر بمشاعرهم. كان عالمها الجديد ينبض بالحياة، وكانت تلك النجمة هي المفتاح الذي فتح لها باب هذا العالم. شعرت بالامتنان لذلك النور في السماء، الذي أعاد لها شغفها بالكتابة وأعاد الحياة لأفكارها.
استمرت سارة في الكتابة حتى ساعات الفجر الأولى، وعندما توقفت أخيرًا ونظرت إلى ما كتبته، شعرت برضا عميق. لم يكن مجرد نص جديد، بل كان عملاً ينبض بالإلهام الذي شعرت به تلك الليلة. عرفت أن هذه القصة ستكون مميزة، لأنها جاءت من مكان عميق داخلها، من ذلك المكان الذي لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال الإلهام.
بعد أسابيع، وعندما نُشرت القصة، تلقت سارة العديد من الرسائل من قرائها، يشكرونها على هذه القصة الرائعة التي أثرت فيهم بعمق. كانت تعلم في داخلها أن السر يكمن في تلك اللحظة التي تأملت فيها النجوم، وفي ذلك الإلهام الذي هبط عليها من السماء.
ومنذ تلك الليلة، أصبحت سارة أكثر إدراكًا لأهمية الإلهام في حياتها. كانت تعلم أنه ليس شيئًا يمكنها التحكم فيه أو استدعائه وقتما تشاء، لكنه قوة يجب أن تكون مستعدة لاستقبالها عندما تأتي. تعلمت أن الإلهام يمكن أن يأتي في أي لحظة، ومن أي مكان، وأنه يجب عليها دائمًا أن تكون جاهزة للاستفادة منه.
كانت تلك الليلة بداية جديدة لسارة، إذ لم تعد ترى الكتابة كمجرد عمل يومي، بل كرحلة إبداعية تنتظر الإلهام ليقودها. أصبحت تبحث عن الإلهام في كل شيء حولها، في الطبيعة، في الأحاديث البسيطة، وحتى في الصمت. كانت تعلم أن الإلهام هو مفتاح الإبداع، وأنه هو الذي يحول الأفكار العادية إلى قصص استثنائية.
وهكذا، أصبحت سارة ترى العالم من حولها بعينين جديدتين، عينين تبحثان عن الجمال في التفاصيل الصغيرة، وعن القصص التي تنتظر أن تُروى. أصبحت تدرك أن الإلهام ليس مجرد لحظة، بل هو نمط حياة، وهو الذي يمنح الحياة معنى وجمالًا لا يمكن إدراكه إلا من خلال الإبداع.

كاتبة ومؤلفة

سلامة بنت محمد المالكي

كاتبة وإعلامية وشاعرة وقاصة ومؤلفة

‫2 تعليقات

  1. ذلك “التوهج التمهيدي” الذي يليه الشعور بالالهام  .والذي  يقع شيء منه في القلب فايطمئن له الصدر فاعندما نكون مفتونين بفكرة معينة أو هدف نبيل يتلاقى الكون لصالحنا ويفتح أمامنا أبوابا لا نعلم عن وجودها..إلا بإشارة مميزة من الهامنا.الذي يأتي لنا بجميل البشارات الآتية ..سلمت أناملك أستاذه /سلامة .على هذا المقال المميز والدافع الذي يجعلنا نبحث عن الهامنا بأبسط تفاصيلنا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى