كُتاب الرأي
حين تتبدل المعاني وتضيع القيم

سويعد الصبحي
حين تتبدل المعاني وتضيع القيم
من الظواهر المؤسفة في زماننا هذا انقلابُ المفاهيم وتبدُّل المعاني حتى صار كثير من الناس لا يُحسنون التمييز بين الفضائل والرذائل ولا يدركون جوهر الأمور كما ينبغي.
لقد صارت المشقّة التي تكلّف صاحبها فوق طاقته وتُدخله في عناء لا حاجة له به تُسمّى (تحدّيًا) و(إنجازًا) حتى بات بعض الناس يُرهق نفسه ليس طلبًا لعلم نافع أو عمل صالح بل لمجرد إثبات شيء للناس أو اتباعًا لمظاهر جوفاء.
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يُسر ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا) [رواه البخاري].
وصار التسيب في السلوك والأقوال يُبرَّر بمراعاة المشاعر أو بحجة الصراحة فيُقال ما لا يليق ويُفعل ما لا ينبغي بدعوى الانفتاح أو (أن الإنسان على طبيعته) . مع أن تهذيب القول وحُسن السلوك هما عنوان العقل والرقي وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) [رواه البخاري ومسلم].
أما الأدب الذي هو تاج الإنسان وزينة أخلاقه فقد صُوّر على أنه قيدٌ يكبل الحرية أو علامة على الجمود والتعقيد.
فإذا التزم المرء الحشمة والوقار وراعى حدود الكلام والجلوس ظن بعضهم أنه متكلف أو (غير عصري) مع أن الأدب هو الذي يرفع قدر الإنسان ويزيده وقارًا في أعين الناس.
وما هو أدهى وأمرّ أن قلة الأدب والجرأة على الآخرين باتت تُسمى حرية شخصية.
فتُقال الكلمات الجارحة وتُنتهك خصوصيات الناس وتُخدش الحياء العام ثم يُقال: (هذه حرية)
ولا ريب أن هذا ضرب من الفوضى الفكرية والسلوكية التي تُفسد المجتمعات وتُميت مكارم الأخلاق.
إن الواجب على العاقل أن يزن الأمور بميزان الشرع والعقل لا بميزان الهوى والمصطلحات المستحدثة. فليس كل ما لمع بريقه كان ذهبًا ولا كل ما طاب للنفوس كان حقًّا.
من تمسّك بمكارم الأخلاق وآداب الإسلام سلم في دنياه ورضي عنه مولاه ومن أطلق لنفسه العنان بلا ضوابط أضاع دنياه وآخرته.
فلنحسن فهم الألفاظ ولنحرص على جوهر السلوك ولنعلم أن الأدب ليس قيدًا بل هو رفعة وأن الحرية لا تعني الفوضى وأن مراعاة المشاعر لا تعني ترك حدود الله وآداب الناس.
فمن سار على هذا النهج عاش محفوظ الجَنب محمود السيرة.