كُتاب الرأي

تقديس السلع

خامسه سالم آل فرحان

تقديس السلع

كتب كارل ماركس في كتابه(كابيتال) عن ما أطلق عليه : (Commodity Fetishism )أو (تقديس السلعة) وهي نظرية طورها ليصل بها إلى علاقة السلع بالأفراد وكيف ان علاقة طردية قد تنشأ بينهما. في هذا المقال القصير لا أنوي الاسهاب في شرح النظرية ولا أجد نفسي متأثرة بالماركسية مطلقا الا أن هذا التعبير ضل يشغلني لما أراه من تقديس للسلع في عصرنا الحالي. عصر المادة والقفزات التكنولوجية وهيمنة وسائل التواصل على الفكر البشري.
بينما كنت اتصفح جهازي الذكي_ والذي أصبح بحد ذاته مقدسا عند البشر جميعا بكل أعمارهم واتجاهاتهم_ وجدت نفسي انساق بل واتحرق لشراء بضائع تعرض علي على هذا الجهاز . أضع بعضا منها في سلة المشتريات و اتحسر على عدم قدرتي على شراء البعض الآخر كونه باهظ الثمن أو غير متوفر للتوصيل في منطقتي التي أعيش بها. أراسل هذا الموقع وذاك متسائلة عن إمكانية إيصال تلك السلعة إلي وكيفية الحصول عليها. وعندما أضع جهازي جانبا لفترة أسأل نفسي . هل أحتاج إلى تلك السلع ابتداءا؟؟
تعرض الكثير من ربات البيوت والمؤثرات على وسائل التواصل مقتنياتهم التي يحرصون على تقديمها بشكل مبهر على المنصات المختلفة. فتلك تعرض أطقم الضيافة لديها. وتلك الأخرى تتفنن في تصوير منزلها المترف والمتخم بقطع الأثاث والديكورات التي قد تصدمك عندما تراها على الواقع من بساطتها . بينما تستعرض تلك الأخرى حالاتها وسهراتها بأسلوب يهيج تقديس تلك السلع المعروضة في أعين المشاهد ليشتري مثلها أو أفضل منها بما لا يتناسب حتى مع ميزانيته . فهل يحتاج المستهلك إلى تلك الدرجة من الترف المصطنع؟

هذه الظواهر الاجتماعية التي لاشك توجد في مجتمعنا هي تقديس للسلع وهيمنة للمظاهر. هيمنة تجعل نسبة كبيرة من متصفحي منصات التواصل يقعون ضحية لفخ الإنفاق الغير مقنن والذي يستنزف مواردهم بل ويأثر سلبا على مقدراتهم ودخلهم ومدخراتهم. ففي عالم أصبح الانسان فيه السلعة الأكبر والأكثر رواجا ، هيمنت مواقع التواصل، وسطحت العقول، وذابت المدخرات وقدست السلع ورخص الإنسان.

كاتبة ومسرحية وسيناريست

خامسه سالم آل فرحان

كاتبة ومسرحية و سيناريست وتربوية

‫6 تعليقات

  1. اصبح ادمان مع الاسف وطبعا نع اسهيل عنليات الشراء والتمويل والابداع في تصوير الاعلان والتكرار والتنوع في نشر الاعلان بخيث يجعلونك ترغب في السلعه اولا ثم تتحول الرغبة الى حاجه ثم ضروره لاحياة بدونها
    في احد الافلام التي شاهدتها التي تملم عن انتقال عائلة ثرية الى حي محدودي الدخل ونقلوا لهم الماركات الباهضه وكيف ادى الاحتكاك بهم الى انتحار احد الازواج لعدم قدرته على مواكبتهم والحاح زوجته علىيه
    على العموم لابد من المجتمع ان يكثف دورات الوعي الاستهلاكي ومحاولة تحجيم حتى وان وصلة الى درجة تجريم مثل هذه الاعلانات وتغيير نمط حياة افراده واخراجه من سجون الشاشات الذكيه

  2. أشكرك أ خامسه على اختيارك الموفق لهذا الموضوع الاجتماعي المهم ومناقشته بشكل مميز وجميل.

    بالفعل، أصبح اهتمام كثير من الناس، رجال ونساء، بالسلع والأشياء المادية عموماً، أولوية قصوى في حياتهم، وربما يكون ذلك على حساب الاهتمام بالتربية والتعليم والثقافة والصحة وتطوير الذات والأعمال الاجتماعية والخيرية وغيرها، وكذلك على حساب مواردهم ومدخراتهم المالية. وأعتقد أن ذلك يمثل أحد مظاهر الأزمة الثقافية في مجتمعنا. ولوسائل الإعلام كافة دور سلبي في انتشار هذه الظاهرة. ويذكرني هذا الموضوع بأبيات ذكرها الشاعر أبو الفتح البستي رحمه الله في نونيته حيث قال:

    يا خادمَ الجسم كم تشقى بِخِدمتِه
    أتَطلُبُ الرِّبْحَ فيما فيه خُسْرانُ،

    أقبل على النفس واستكمل فضائلها
    فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى