لقا مطالب .. لا لقاء إعلام

محمد الفريدي
لقا مطالب .. لا لقاء إعلام
قرأتُ مقال الزميل الكاتب الصحفي القدير محمد المرواني في صحيفة المدينة، بعنوان “حج وبيع سبح”، والذي تناول فيه لقاء معالي وزير الإعلام الأستاذ سلمان الدوسري بإعلاميي المدينة المنورة، ومن خلال هذا المقال، تتجلّى أبعاد متعددة، تندمج فيها المهنية بالاحترافية، وتحضر فيها الرؤية النقدية بلغة راقية وساخرة.
ما لفت انتباهي في المقال أن الكاتب لم يكتفِ بنقل وقائع اللقاء، بل غاص في تحليل معمّق للأداء الإعلامي المحلي، وركّز على طبيعة المداخلات التي رآها، في كثير من الأحيان، كانت أقرب إلى الخُطب المطولة منها إلى الأسئلة المهنية، مما جعل الاستفادة من اللقاء محدودة، فقد أشار بوضوح إلى أن بعض الإعلاميين في اللقاء تجاوزوا المهنية حين حولوه إلى منصة لطرح مطالبهم الشخصية، الأمر الذي أضعف صورة الإعلامي كصانع رأي، ودعا إلى ضرورة رفع كفاءة التحضير المهني والتمثيل في مثل هذه اللقاءات، لتكون مداخلات الإعلاميين معبّرة عن هموم المهنة لا عن الأفراد.
كما توقّف الكاتب عند الجانب التنسيقي للقاء، وانتقد غياب التمثيل الفعّال لكبار الإعلاميين وهيئة الصحفيين السعوديين في المنطقة، ما أضعف من الحضور المعنوي لكيان الإعلام في المدينة.
وأشار إلى أن اللقاء، رغم أهميته، لم يُدار بطريقة مؤسسية منظمة، بل شابته العشوائية في الدعوات والتنظيم، مما أضاع فرصة ثمينة كان يمكن أن تُستثمر بشكل أفضل.
وفي المقابل، لم يغفل الكاتب الإشادة بمعالي الوزير سلمان الدوسري، والثناء على احترافيته العالية، وقدرته على الرد باقتضاب ووضوح، رغم الأسئلة المطوّلة وغير الدقيقة، ووصفه بأنه أول وزير يُولي الإعلام المحلي هذا القدر من الاحترام والاهتمام، لكن هذا الحضور الوزاري الكبير لم يُقابل بمهنية موازية من بعض المنظمين والمشاركين.
وقد تميّز مقال المرواني بلغة نقدية ذكية، تحمل سخرية مهذبة وراقية، واستخدم تعبير “حج وبيع سبح” كناية عن خلط بعض الإعلاميين بين مصالحهم الشخصية والطرح العام، كما ختم المقال بتشبيه رياضي ساخر، حين قال إن بعض الإعلاميين “لم يسجلوا سوى أهداف أُلغيت بداعي التسلل”، في إشارة إلى ضعف الأداء وعدم الجاهزية.
وأشار إلى أن حسن نوايا المنظمين لا يكفي وحده، إذ إن ضعف التحضير وغياب الرؤية الواضحة قد أضاعا على الإعلام المديني لحظة مفصلية كان يمكن أن تكون فارقة، لو تم تنظيم اللقاء بمهنية عالية، واختيار ممثلين مؤهلين، وتنسيق الطرح الإعلامي عبر كيان رسمي، كفرع هيئة الصحفيين في المنطقة، ومديرها الأستاذ عماد منصور الصاعدي، فاللقاء كان مع رأس الهرم الإعلامي في الدولة، ويستحق أن يُدار بمستوى يعكس نضج الحراك الإعلامي في المدينة المنورة.
إن ما طرحه المرواني ليس مجرد انطباعات شخصية، بل هو تشخيص لحالة تحتاج إلى مراجعة جادة داخل الجسم الإعلامي المحلي، خاصة في منطقة المدينة المنورة بما تمثله من مكانة. فضعف التنسيق، وتحويل اللقاء إلى منبر للطلبات الخاصة، يعكس هشاشة البنية التنظيمية، ويدعونا إلى التفكير في تأسيس كيان موحّد يمثل الإعلاميين ويضمن الإعداد الجيد لمثل هذه الفعاليات.
لقد أثبت المقال أن المشكلة ليست في الحضور، بل في غياب المنهجية والإعداد والتنسيق والتنفيذ، وأن النقد البنّاء، حين يصدر بلغة سامية كهذه، يكون بمثابة دعوة لإصلاح البيت الإعلامي، وتفعيل دور الهيئات الرسمية، وتمكين الكفاءات الحقيقية من التعبير باسم المهنة لا باسم الأفراد.
فلتكن هذه اللحظة حافزا للمراجعة والبناء، لا مجرد مناسبة عابرة في الذاكرة الإعلامية.
إن اللقاء مع قامة وزارية بحجم معالي وزير الإعلام لا يجب أن يُدار بعشوائية، بل بمنهجية تنطلق من رؤية مهنية ومؤسسية واضحة.
وما طرحه المرواني يُعد جرس إنذار يوقظ الوعي لدى الإعلاميين والمسؤولين عنهم، ويكشف عن الحاجة الماسة لهيكلة تُعيد للصحفي اعتباره ودوره.
فالمهنة ليست ترفا، ولا فرصة شخصية، بل رسالة ومسؤولية، ولا يصون هذه الرسالة إلا من يحملها بضمير حي وفكر ناضج.
لذا، فإن الخطوة القادمة يجب أن تُبنى على هذا النقد، لا أن تُغفل أو تُجمّل، لأن مستقبل الإعلام المحلي على المحك، وفرص النهوض لا تنتظر.
إن إصلاح المسار الإعلامي يبدأ من الاعتراف بالقصور، ثم المبادرة بالتغيير الجاد، لا الاكتفاء بالشكليات أو المجاملات.
ولا شك أن مدينة كبرى كالمدينة المنورة، بتاريخها ومكانتها، تستحق تمثيلا إعلاميا يليق بها، ويعكس زخمها الحضاري والديني، من خلال إعلاميين على قدر عالٍ من التأهيل والحضور المؤسسي.
ولعل أولى خطوات التصحيح تبدأ بتفعيل فرع هيئة الصحفيين السعوديين في المنطقة، وتوسيع قاعدة المشاركة لتشمل الكفاءات الشابة المميزة، بعيدا عن التكرار والنمطية.
كما يجب أن يكون لكل لقاء إعلامي مع المسؤولين أجندة واضحة، ومداخلات مدروسة، تعكس هموم المجتمع لا رغبات الأفراد الشخصية، وتفتح أفقًا للتطوير لا التبرير.
إن مقال “حج وبيع سبح” لم يكن مجرد توصيف لحالة عابرة، بل وثيقة نقدية مهنية تُحسب للكاتب محمد المرواني، وتستحق أن تُدرّس كأنموذج في أدب النقد الصحفي المسؤول، لأنها تعيد تعريف العلاقة بين الصحفي، والمؤسسة، والمجتمع، وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم بشجاعة وشفافية.
فشكرا للزميل محمد المرواني على غيرته الصادقة على مهنة المتاعب، وحرصه الدائم على الارتقاء بأدائها، وصدق ملاحظاته التي تنبع من وفاء مهني أصيل، وهي ملاحظات، بلا شك، تستحق أن تُؤخذ بعين الاعتبار في مسيرة تطوير الإعلام المحلي، وتعزيز حضوره المؤسسي والمهني.