من أجل الحق .. تلك كلمة حق

بعد قراءات عميقة في كثير مما أبدعه الشعراء والروائيون والكتاب والمفكرون التي مهدت لي الطريق لتعمق حضارتنا المادية وهذا الإنسان الذي علمه الله ما لم يكن يعلم ، الإنسان على اختلاف لغاته ومواقعه ؛ فأخذت أفكر مليا فيما يجري الآن في عالمنا المعاصر الذي ركب فيه الإنسان الماء وغاص في أعماقه ، وحلق في الهواء وغاص في طيات فضائه .
فإذا بي أجد من يحتفظ بالشخصية الإسلامية التزاما بالإسلام وتاريخه عملا بالقرآن الكريم وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
أعني رابطة العالم الإسلامي التي أخذ القائمون عليها من الصفوف في الصلاة واستقامتها وتلاحمها مبدأ وسلوكا وغاية ، موقنين أن الله معهم ولن يترهم أعمالهم .
أقرأ حراك رابطة العالم الإسلامي على أرض هذا العالم المتناحر ، أقرأ بوعي خالص قراءة المفكر كيف يحولون يقظتهم لهذه الأمور إلى أداء جليل بنبل في المقصد متفاعلين بسماحة وحكمة وإنسانية مع كل جديد في العالم .
فالأبعاد الإنسانية لجهود رابطة العالم الإسلامي تتلاقى مع الجهود المبذولة لإيضاح حقيقة الدين الإسلامي .. هي جهود تؤكد تواشج الهمة والنشاط ونبل القصد والإخلاص في أداء إنجازات مخلصة تترجم منطلقات العمل الإنساني القائم على وحدة الأصل والدم المشترك .
فكل ما ينتج عن هذه الرابطة يؤكد حب الجميع . وتلك عبارة لا أنساها ، ولا ينساها المصريون وبخاصة طلاب جامعة القاهرة للدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي التي قالها في محاضرته التاريخية من جامعة القاهرة حول مستجدات الفكر بين الشرق والغرب :
“نحب الجميع ونتمنى لهم الخير دون استثناء ، ولا عصمة إلا بكتاب الله”
هي كلمات تسري فيها أخلاق إنسانية عالية تتماس مع النموذج الأخلاقي السامق لهذه الرابطة التي تخطت مشاريعها الإغاثية والإنسانية حدودها الجغرافية – دون من أو أذى – والأرقام و البيانات المدعومة بالصور والفيديوهات المؤكدة والموثقة لهذه الإنجازات .
فأنا من مصريتي أقول من الواجب أن أن ندعو لهم بالتوفيق دائما وأن يتقبل جهدهم وسعيهم وأن يمدهم بمدد لا حد له ولا عد له ولا نهاية له لأنهم صورة مشرقة مشرفة لديننا الإسلامي السمح . إنها مكارم الأخلاق المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم – فالأداء في الرابطة تسري فيه الأخلاق سريان الدماء في الشرايين .
ونحن في موسم الحج ، إذ نعيش هذه النسائم الجليلة والشريفة ، وعطر التذكر للسنة العاشرة من الهجرة المباركة التي أدى فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وألوف من أصحابه فريضة الحج ، وخطب فيهم خطبة الوداع يوم النحر بمنى ؛ تلك الخطبة الجامعة التي تضمنت مبادئ الإسلام السامية ، وقيمه الرفيعة ، وآدابه الجليلة .
نعم ؛ فالمطالع لجهود هؤلاء الرجال في تلك الرابطة، يقف على كثير من صور التعبير عن تمثل ما قد ورد في خطبة الوداع ، وتمثل قواعد الإسلام و أصوله ومبادئه التي بها قوام أمر الدين والدنيا .
فقد بدأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خطبة الوداع بكلمة موجزة ، يفهم منها الحرص الشديد على أن تتوفر في المجتمع الإسلامي والإنساني ، قيم المودة والمحبة والرحمة التي تحقق استقرار أي مجتمع من المجتمعات ، بالمحافظة على قيمه واستمرار وجوده ، ولذلك جاء هذا الاستهلال النبوي الكريم في خطبة الوداع بقوله – صلى الله عليه وسلم :
“أيها الناس : اسمعوا مني أبين لكم ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا ” .
لقد أجمع أهل الرأي والفكر والنظر على أن خطبة الوداع أهم الوثائق التي بينت وحددت حقوق الإنسان وواجباته بصورة موضوعية، بعبارات شديده الإيجاز ، عميقة المعاني ، جليلة التأثير .
فخطبة الوداع ركزت على كرامة الإنسان وكل ما ينظم المجتمع الإنساني ليكون فاضلا .
دعت إلى المحافظة على حقوق الضعفاء والمظلومين في أي مكان آخر على وجه الأرض .
اهتمت بالجوانب الأمنية للإنسان وكذلك الجوانب الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية والدستورية .
ولذلك فإننا نلاحظ في هذا الاستهلال النبوي الشريف بخطبة الوداع ورود النداء على هذا النحو في قوله – صلى الله عليه وسلم – ” أيها الناس” فلقد تم الاستغناء عن أدا ة النداء ، وهذا من بلاغة الرسول – صلى الله عليه وسلم- ليبين حقيقة القرب والتراحم والتماسك مع أبناء الأمة والإنسانية كلها ، فالخطاب وإن كان بصورة مباشرة لمن حضر الخطبة ، إلا أن حذف أداة النداء يدل فيما يبدو لنا على أن المنادَى في وجدانه – صلى الله عليه وسلم – في وعيه ، في دعوته التي هي دعوة إنسانية عالمية، ليست محدودة بزمان أو مكان ، فمن الواضح أن حذف أداة النداء أمر دال على ان الخطاب ليس فقط لمن حضر خطبة الوداع ، وإنما لكل إنسان يسلم وجهه لله سبحانه وتعالى في كل زمان ومكان .
فالرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – يعرف نوازع التقلب والعواصف في الطبيعة الإنسانية ، ولذلك جاء الخطاب على هذا النحو الودود .
إنني لا أبالغ إذا قلت إن هذه الخطبة النبوية الشريفة تتضمن درجات جليلة من الإعجاز النبوي لأن الرسول تناول أموراً وقضايا وحذر الإنسانية من أن ترتكب أفعالاً تضر التماسك الإنساني وهذا ما يؤرق الإنسانية اليوم!
لم يكن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وهو يلقي خطبة الوداع يقرأ من ورق ، ولم تكن أمامه شاشة تلفازية عملاقة ، أو وسيلة اتصال إلكترونية في أذنه يلتقط منها الجمل المتضمنة لهذه المبادئ الإنسانية العظيمة التي تأخذ بالإنسانية إلى التماسك المنشود والتآخي والتراحم و الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان ..
حتى تلقى الانسانيه ربها يوم القيامه دون نهب ثروات أو الاستيلاء على حق أحد ودون التطاول أو التعرض لمال دون وجه حق أو التعرض لعرض أو تدنيس شرف .
فيقول الصادق الأمين في خطبة الوداع بهدف إرساء مبدأ التزام الإنسانية كلها وليس الأمة الإسلامية وحدها بعمارة الكون وحفظ الحقوق لتضييق المسالك على الشيطان حتى لا يتخذ من أي نوع من تلك الأمور التي حذر منها الرسول ذريعة أو سبيلاً لتقليب البشر على بعضهم فيسفك بعضهم دماء بعض ، وينهب بعضهم ثروات بعض :
“إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ”
ينبغي أن نضع في الاعتبار وألا ننسى أن ان مستهل هذه الخطبة كان بقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – ” أيها الناس” وليس” أيها المسلمون “أو “أيها المؤمنون” .
فهذا يعني أن الخطاب النبوي لم يكن موجها للأمة الإسلامية فقط ، بل كان موجها للناس كافة ، في كل زمان وفي كل مكان . ولقد أكد ذلك مجيء النداء على هذا النحو في هذه الخطبة الشريفة للحبيب صلى الله عليه وسلم- رسول الإنسانية .
ولذلك فإننا نشكر كل جهد مخلص يرسخ مثل تلك الأبعاد الإسلامية الإنسانية ، نشكر جهود رابطة العالم الإسلامي ، فهي تتلاقى مع الجهود المبذولة لإيضاح حقيقة الدين الإسلامي ، دين السماحة والعناية بالدماء والأموال والأعراض، فلقد قال صلى الله عليه وسلم :
“سباب. المسلم فسوق وقتاله كفر”
. هي جهود تؤكد تواشج الهمة والنشاط ونبل القصد والإخلاص في أداء مجهودات تثقيفية وتعليمية وتوعوية حقة مخلصة تترجم منطلقات التمثل الأعظم للدين الحنيف القائم على وحدة الأصل والدم الإنساني المشترك .
فكل ما ينتج عن هذه الرابطة يؤكد التمسك بمكارم الأخلاق والنصوص الدينية في كتاب الله وسنة نبيه ، فحب الجميع أداء و غاية وتنفيذ واقعي ودعوة إلى الله بأرقى صور الأداء بلا تحاسد ولا تناجش ولا تباغض، امتثالاً لما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم :
“لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى ها هنا “ويشير – صلى الله عليه وسلم – إلى صدره ثلاث مرات. “بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه” .*
فرابطة العالم الإسلامي بمشاريعها الإغاثية بسبب اندلاع حرب أو وباء أو كارثة وبمشاريعها ذات الصلة بالرعاية الصحية والصحية والتنمية الاجتماعية صوت وفعل و أداء نابض بالإسلام الذي يدعو إلى صيانة النفس الإنسانية وإلى حرمة إراقة الدماء ظلما وعدوانا ، أية دماء ، دون وجه حق .
هذا يتم دون النظر إلى الديانة أو المواقع الجغرافية ودون نظر إلى لون أو جنسية أو عرق .ومن ثم تتلاقى جهود رابطة العالم الإسلامي بأبعادها الإنسانية مع الأبعاد الإنسانية لخطاب كتاب الله- عز وجل – وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
(يتبع)..
د .هشام محفوظ
__________________________
*(صحيح مسلم ، كتاب : البر والصلة والآداب ، باب : تحريم ظلم المسلم ، وخذله ، واحتقاره ، ودمه ، وعرضه ، وماله ، ٤/ ١٩٨٦ ، رقم (٢٥٦٤) .
أنا الذي أتشرف والله بكوني ببنكم في رياضكم الوارفة بالود والثقافة والإبداع والمعرفة .. شكراً لحضراتكم..كل الشكر
أهلا وسهلا بالدكتور هشام محفوظ في فريق التحرير في صحيفة “آخر أخبار الأرض” الإلكترونية.
نحن سعداء جدا بانضمامك إلى فريقنا المتميز، بموهبتك وخبراتك المتعددة ككاتب وناقد وشاعر وإعلامي وإذاعي، ستكون إضافة قيمة لصحيفتنا، وستسهم في تقديم المحتوى الغني والمثير للاهتمام لقرائنا.
نتطلع إلى أن تشاركنا معرفتك الواسعة ورؤيتك الفنية في تحليل الأحداث ومناقشة القضايا المهمة، ونحن واثقون من أنك ستعزز الصحيفة بمقالاتك المميزة وتعليقاتك النقدية الموضوعية والمبتكرة.
مرة أخرى، نرحب بك بحرارة في فريق التحرير، ونتطلع إلى تحقيق نجاحات كبيرة وتألق مستمر في مسيرتك المهنية مع صحيفتنا، ومتأكدون من أن إسهاماتك ستثري عالم الصحافة والأدب بشكل عام.
بالتوفيق والنجاح في مهامك الجديدة.
تحياتي
محمد الفريدي
رئيس التحرير