نهج السعادة .. احتياجات (الجانب النفسي) 1

النفس الإنسانية لأنّها من صنع الله تعالى وهو أعلم بما يُصلحها وبما يُفسدها ، وهو أعلم بما فيها من طاقات وأسرار ؛ لقوله تعالى في سورة الملك :(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).اية ١٤
فهمها الفهم الصحيح سيكون عبر معرفة الله خالقها ومكونها ، فلن يفهم الإنسان نفسه إلا عبر منهج الله القرآني..
البحث عن نفسك واحتياجاتك ومتطلباتك من خلال التدبر في آيات الذكر الحكيم وما تركه لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم..
الاحتياجات النفسية للإنسان تُعدّ من أهم المتطلبات الأساسية التي تسهم في تحقيق توازنه وسعادته ، هذه الاحتياجات ليست ثابتة بل تختلف باختلاف المرحلة العمرية والبيئة والثقافة ، لكنها تتشارك في جوانب أساسية تتطلب الإشباع لنمو نفسي سليم يكفل السعادة والشعور بالرضا في هذه الحياة ، أبرز هذه الاحتياجات:
١- الحاجة إلى ( الحب والانتماء):
الإنسان يحتاج أن يُحب نفسه ويفهمها ويعطيها حقها من التقدير وبالتالي يحتاج بعدها إلى الشعور بالحب والتقدير من الآخرين ، سواء من خلال الأسرة أو الأصدقاء أو المجتمع..
بينما الشعور بالانتماء من الحاجات الأساسية التي يتشكل منها بناء نفس الإنسان ، وهو شعور مهم من خلاله يحدد الفرد قيمته داخل العائلة وقيمته عند المجتمع وكذلك يستشعر بقيمة المجتمع في نفسهُ ..
الأنتماء يشعر الفرد بالدفء العاطفي والأمان ، ويسهم في تعزيز الثقة بالنفس..
قال رسولنا الكريم في أبلغ وصف لعلاقة الفرد وانتمائه مع محيطه الخارجي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ثم شبك بين أصابعه) رواه البخاري.
٢- الحاجة إلى (التقدير والاحترام):
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء شيخ يريد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا )(الترمذي) .
شعور الإنسان بأنه مُقدّر ومحترم يعزز من احترامه لذاته ويزيد من شعوره بالثقة ، وهذا يُشجعه على العمل والعطاء بشكل أكبر ، احترام وتقدير الآخرين يُعد دافعاً نفسياً كبيراً للسعادة و الرضا والنجاح..
وهناك عدة آيات تأمر باحترام الناس على العموم فيما بينهم وتُشدد على حاجة النفس الإنسانية للأحترام والقول الحسن والكلمة الطيبة ولين الجانب والتواضع واستخدام الحكمة والتعقل في النقاشات والمجادلات أثناء التعامل مع البشر والابتسام كنوع من الاحترام والتقدير المتبادل ، منها قوله تعالى: (وقولوا للناس حسنا)
{البقرة: 83}
ومنها قوله تعالى : (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) {آل عمران: 159}.
ومنها قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) {النحل: 125}.
قال صلى الله عليه وسلم: ( تبسمك في وجه أخيك لك صدقه ) رواه الترمذي وغيره وصحح سنده من حديث ابي داود..
كما كان رسولنا الكريم يحث على ابداء التقدير والاحترام لمن حوله بإبراز صفاتهم الجميلة أمام الكل والإشادة بهم
قوله لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إنك غلام معلم”..
وقوله لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: “لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود”..
وقوله لأشج عبد القيس رضي الله عنه: “إن فيك لخصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة”.
كما كان رسولنا الكريم باسماً ضاحكاً لكل من يُصادفهم ويتعامل معهم عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: (ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا راني إلا تبسم في وجهي) رواه مسلم .
٣- الحاجة إلى (الأمن والاستقرار):
الأمن في اللغة العربية يعني طمأنينة النفس وذهاب الخوف والقلق ، يقول الله تعالى في كتابه: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش:٣-٤]
هاتان آيتان من عشرات الآيات التي يأمر فيها الله تعالى عباده بعبادته ، ممتنّا عليهم بنعمتي الإطعام من الجوع ، والأمن من الخوف ، وهذا تنبيه للمسلمين وغيرهم في أقطار المعمورة ؛ للتفكّر والتدبّر في مقصد مهمّ من مقاصد القرآن ، وهو مقصد حفظ أمن النفس..
(الاستقرار النفسي) يعتمد على شعور الفرد بالأمان من عدة جوانب 🙁 الأمن الديني ، الأمن الفكري ، الأمن العاطفي ، الأمن المادي ، الأمن الاجتماعي ، الأمن الوطني ، الأمن العالمي) ، فإذا تحققت كل هذه المتطلبات والاحتياجات للأنسان أستطاع أن يحقق مطلب الأمن مع نفسه ومع تعاملاته وعلاقاته بالأخرين بدءً من الأسرة مروراً بالمجتمع الخارجي ، وبالتالي يحقق الفرد الشعور بالسعادة والرضا..
إشباع هذه الاحتياجات النفسية للفرد من (الحب والانتماء – التقدير والاحترام – الامن والاستقرار – الدعم العاطفي والاجتماعي) ، يُعدّ أساساً لتحقيق صحة نفسية متوازنة وحياة مليئة بالرضا والسعادة والنجاح.
أحلام أحمد بكري
كاتبة رأي