كُتاب الرأي

الأنا

 

في مرح الطفولة الجميلة، وفي الصخب الذي يصاحب حركاتهم وارتفاع أصواتهم وتشاجرهم واختلافهم أحيانا ، وفي بعض المعارك التي يفتعلونها أحيانا وأحيانا أخرى ، تظهر جوهرة ( الأنا ) !.

فالصغير منهم يصرخ وهو يقول هذا لي أنا ! والوسط كذلك يصرخ ويقول هذا لي أنا ! والكبير كذلك يصرخ بقوة ويقول هذا لي أنا فقط ! والوالدن يقفان بينهم جميعاً في حيرة وشفقه عليهم جميعاً ! وفي محبة ورحمة بالجميع!.

هذه المشاهد الجميلة للأطفال على طول الأرض وعرضها وعلى تقلب الليل والنهار ! وعلى تنوع واختلاف الأسر الكريمة والعوائل المحترمة وعلى طول الدنيا وعرضها تكبر مع الناس على إختلاف ألوانهم ومشاربهم وأعراقهم ولغاتهم وأديانهم وثقافتهم وتبقى في جيناتهم!.

إن ظاهرة الأنا في الإنسان من الصفات والسمات والظواهر التي يتصف بها كل الكائنات والمخلوقات والعوالم الحية وخصوصاً الحيوانات والدواب الأليفة وغير الأليفة ! وهي غراس الفطرة والطبيعة ويبقى الأبوان الكريمان لهما الأدوار والمهام والمسؤوليات العظيمة في التوازن فيها أو الإفراط في نموها واستبدادها.

ويعبر عنها أحيانا بالعبارات المختلفة كالقول : هذا لي ! أو هذا حقي ! أو من حقي أنا ! أو هذا ملكي ! أو هذا خاص بي ! أو هذا من أبسط حقوقي ! أو هذا الأشياء لا أفرط فيها فهي لي وحدي !
وهكذا الناس كلهم يتفقون على أهميتها ووجودها ! ويتنوعون في صورها وأشكالها ! وطرق التعبير أو توصيفها !!

وتكبر الأنا مع الإنسان ، ويتولى الزمان والمكان والأحداث صناعتها وصياغتها على التشكيل والتكوين الذي قدّر لها ، وربما لا يقف نموها عند مرحلة من مراحلها أو محطة من محطات تكوينها وصياغتها، وقد تواصل النمو والعظمة في النواحي الإيجابية لها وعليها أو في النواحي السلبية لها أو عليها !

والمشاهد والصور التي نشاهدها في محطات الناس الحياتية المختلفة والمتباينة ما هية إلا صور الأنا التي تشكلت وتكونت في مراحلها المختلفة والآن هي تظهر في صور شتى وفي مجالات مختلفة ،
فهؤلاء بينهم الحب والمحبة والمودة والرحمة ، وهؤلاء بينهم العداوة والبغضاء والشر المستطير ، وأولئك يتغافرون ويتسامحون وأولئك يتحاربون ويتعاركون !

وتلك الزوجة ترى في زوجها نفسها وهواها ودنياها وصورة منها طبق الأصل ! وتلك الزوجة ترى في زوجها الشيطان الرجيم لا خير فيه أبدا ! وذلك الزوج الذي يرى في زوجته عالمه الجمالي النفيس وجنته الغالية
وذلك الزوج الذي يرى في زوجته الشيطانة والأفعى العظيمة فعليه أن يحترس منها !

والإنسان الذي يرى نفسه عظيمة وهو عظيم بها وما سواه لا شيء أمامه فهو الإنسان الحقيقي فقط والبقية ليس لهم المكان في عقله وقلبه ونفسه !

والإنسان الذي يرى نفسه واحدا من الناس يحبهم ويودهم ويحترمهم ويسعى في خدمتهم ورحمتهم، كيف لا ؟! وهو بهم وهم به ! ولا سعادة له كما يرى عن طريق خدمة الناس والتقرب منهم والإحسان إليهم جميعا !.

وكما تقدم فإن الأنا تنمو وتكبر وقد تتضخم عند بعضهم ! وقد تصل مع التربية والتعليم والتنشئة الطبيعية والضبط إلى الإتزان والتوازن في كل شؤونها وواجباتها، حتى في أحلامها وأفكارها ورؤاها!

وليس بجديد ولا غريب أننا نحمل في ذاكرتنا وخبراتنا المشاهد والصور والمواقف لنفوس بشرية أصابتها الأنا العليا وحادت عن سبيل الحق والعدل فتركت في الناس جراحات وجراحات في الأواح والنفوس وكذلك الأبدان !

فكم من زوج يحمل هذا الأنا الطاووسية؛ والتي سحق بها زوجته ، وربما أولاده وهو لا يشعر بذلك ! بل يقسم أيمانا مغلظة أنه يحميهم ويخدمهم ويعينهم ويحنو عليهم !

وكم من زوجة تحمل في نفسها هذه الأنا الطاووسية والتي كان لها الأثر السلبي على زوجها وعلى أولادها ! وهي تظن أنها تحميهم وتحفظهم وتحرسهم ! وهي حقيقة تحرق نفسها وأهلها وبيتها !

ولذا على صاحب الأنا الطاووسية أن يعيدها إلى التوازن الحق وإلى النظر إلى الحياة الطبيعية السليمة، فيقف عند الآثار السلبية التي تسببت له فيها ، وما صاحب ذلك من النفور والغرور ، وحقيقة التأخر عن حقيقة الحياة الإنسانية الكريمة:

أولاً: التوقف عن ممارسة الدور الطاووسي مع الأهل والأولاد والناس والعودة إلى المرآة والنظر بدقة وعمق فيما تحمله هذه الأنا .

ثانياً: القراءة المتأنية والنقدية الجمالية والإنسانية عن أنماط الشخصية المختلفة والمتباينة ومنها هذه الشخصية النرجسية الطاووسية.

ثالثاً: محاولة التوازن في استيعاب القدرات والطاقات والمواهب والملكات العالية وما تريده الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة، التوازن بين الحقوق الممتدة والواجبات القريبة والبعيدة.

رابعاً: محاولة إقتفاء آثار القدوات الفاعلة والتي لها أو تركت أثراً طيباً يحبه الناس ، وأهم ذلك إشغال النفس بالمشاريع الوطنية الكبرى والتي لها قوة التغيير إلى الخير والإحسان والصلاح.

خامساً : إدخال تقييم الأهل والأولاد في شخصية الآباء والأمهات وما يقومون به ويعملون على أدائه ، فالقول بأخذ آراء الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة وأخذ انطباعاتهم عن سلوك الآباء والأمهات أمر فيه خير وتعديل سلوك وتصرفات يخدم الأسرة والعائلة والأولاد جميعاً !.

سادساً: المبادرة في مراجعة القيم والأخلاق والسلوكيات التي أظهرت الأنا الطاووسية بهذه الصورة التي يرفضها الجميع .

سابعاً: الإصرار على أن تكون الشخصية المحبوبة الجميلة الهادئة والتي يحبها من يتعامل معها من الأولاد والأهل والناس .

ثامناً: حياة الإنسان في ( الأنا ) ودائرة الحقوق والواجبات بينه وبين غيره يؤدي به إلى الإتزان والتوازن الحقيقي ، ويضبط النفس من الجموح والإنفلات.

تاسعاً: الجنوح في عوالم الأنا الطاووسية والأنا فقط وعدم رؤية ما سواها ، من الأنفس والأرواح والبشرية يرحل بها متاهات الغرور والعجب والكبر والسخط والجبروت المقيت الذي يهوى بالإنسان إلى أماكن سحيقة من الشرور والطغيان .

عاشراً: ضبط الأنا العليا بالتعاليم السماوية وهدايات الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هو الطريق القويم والصراط المستقيم لها .
وهو سر سعادتها ووجودها في السموات والأرض.

المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض.

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى