كُتاب الرأي

أدب أطفالنا بين الكراهية والمحبة

محمد الفريدي

يعتبر أدب الأطفال في أي دولة عنصرًا أساسيًا في تشكيل عقول أجياله المستقبلية، ويلعب دورًا حيويًا في بناء شخصياتهم وتطوير مهاراتهم، ويمتد تأثيره لمختلف جوانب حياتهم.
فمثلاً، ما كنا نردده، ونقرؤه في طفولتنا من أناشيد وقصص لا تزال راسخة في ذاكرتنا إلى اليوم، وأسهمت في تشكيل أفكارنا وقيمنا وسلوكياتنا وثقافتنا ﻭ مبادئنا، وهذا ما يؤكد صحة مقولة “العلم في الصغر كالنقش على الحجر”.

تلك الأناشيد والقصص قدمت لنا بالفعل نماذج إيجابية نقتدي بها، وزرعت فينا قيم الولاء والوطنية، والصداقة، والتعاون، والصدق، والعدل، ولا ينكر هذا إلا جاهل او مكابر .
ولكنها في الوقت نفسه لم تخلُ من أناشيد وقصص سلبية كانت ترسخ فينا التعصب العرقي والديني، وتغرس فينا الكراهية تجاه بعض فئات المجتمع، وتسهم في نشر بذور العداء والعنف والبغضاء، ومهدت الطريق بشكل غير مباشر لتبرير القتل والتنكيل بأفراد المجتمع وبالشعوب الأخرى، تحت غطاء الشجاعة والنخوة العربية الأصيلة، والدفاع عن المقدسات والإخوة الفلسطينيين، الذين تركونا، وارتموا في أحضان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.

وأنا وغيري الكثيرون ضاع منا (بقريح) عام دراسي كامل في الصف الثالث الابتدائي لأننا لم نحفظ أنشودة (بلاد العرب أوطاني)، وأعدنا السنة مرة أخرى من أجل عيني الشهيد أبو عمار، وشهيد طهران وقم أبو العبد، والمطارد في سراديب وأنفاق غزة، الزعيم الجنرال الخطير الباشمهندس يحيى السنوار.

أقولها بالفم المليان، وبالصوت العالي :
أدب الأطفال لا ينبغي أن يُستخدم كسلاح كما كان يُستخدم معنا في الماضي، سواء من خلال الأناشيد التي كان يتعين علينا حفظها عن ظهر قلب، وإلا اعتُبرنا من الراسبين، أو من خلال القصص التي تزرع فينا البطولات الوهمية، وتحشد الشعوب العربية والإسلامية خلفنا لاستعادة أراضي الخلافة الإسلامية من سيطرة الكفار، بل يجب أن يكون أدب الأطفال أداة قوية لتعزيز التعاطف، والتراحم، والتفاهم، والترابط، والتسامح، والمحبة، والسلام، والاحترام المتبادل بين أبناء الوطن الواحد، وبيننا وبين جميع الشعوب.

فمن خلال هذه الأناشيد والقصص والشخصيات، يتعلم أطفالنا كيفية فهم مشاعر الآخرين والتواصل معهم بشكل طبيعي وفعّال، أما محتوى أناشيدنا القديمة وقصصنا التي كانت ترسخ التنمر على فئات معينة، وتخلق أجواء سلبية تضعف من نسيج مجتمعنا، فلا نريد لها مكانًا في حاضرنا، ولا في مستقبلنا، وإلى أبد الآبدين.
علينا أن نختار قصصًا وأناشيد وأدباً لأطفالنا بعناية تضمن غرس القيم الإيجابية، والمبادئ، والتسامح، والتفاهم في نفوسهم، بدلاً من حشو رؤوسهم بالأناشيد الثورية الفارغة التي كانت تُغرس فينا، ونحن في صفوف المرحلة الابتدائية غرسا، ولم نتمكن، بعد أن بلغنا أشدّنا، من تنفيذ حتى نصف شطر بيت منها على أرض الواقع.

تلك الأناشيد التي كنا نحفظها عن ظهر قلب، ونعيد السنة من أجلها إن لم نحفظها، كـ : (سل صفحة الأيام تنبئك عن أقدامي)، و (الله أكبر فوق كيد المعتدي)، و (بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان، ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان) و طقتها.

ونشجع نشر قصص الأطفال التي تسلط الضوء على شخصيات ناجحة وقوية من أبناء مجتمعنا بهدف غرس الثقة في نفوسهم وتنمية قدراتهم، وفي الوقت نفسه، نتجنب تقديم أناشيد وقصص تُصورنا على أننا أبطال خارقون نقوم بسلب حقوق الآخرين، ونقيد حرياتهم تحت دعاوى التمييز العرقي أو الديني.
علينا ان نحرص على اختيار الأناشيد والقصص التي ترسخ احترام الآخرين، وتحفظ حقوقهم، وتشجع أطفالنا على تبني قيم التسامح، والعدالة، والمحبة، والسلام، والإخاء، ونجنبهم مثل هذا الكلام الفارغ .

فمن خلال هذه الأناشيد والقصص، يتعلم أطفالنا السلوكيات الإيجابية كاحترام الآخرين، واحترام ثقافة ومعتقدات جميع الشعوب، والالتزام بالآداب العامة، والشريعة، والأنظمة، والأعراف، والعادات الحميدة، ونحرص على اختيار قصصهم وأناشيدهم بعناية لتسهم في غرس القيم الإيجابية، وتشجعهم على التعامل مع الآخرين باحترام وإنسانية.

أدب الأطفال أداة قوية وفعالة تسهم في تنمية مهاراتهم المعرفية، والاجتماعية، والعاطفية، وتشجعهم على تبني سلوكيات إيجابية أو سلبية، وتسهم بشكل مباشر في تشكيل شخصيتهم، ولكن مشكلتنا الأزليّة تكمن في أن أدب أطفالنا كان و مازال يترجح عندنا على مر الأجيال الماضية بين جيلين مختلفين في سلوكهما:
جيل يؤمن بالقيم الإنسانية السليمة، وجيل آخر مؤسس على العداء والكراهية تجاه الآخرين، فكيف نكون نحن وجيلنا بالله عليكم أسوياء؟!

 

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫9 تعليقات

  1. أدب الطفل وبناء الشخصية لغرس مفهوم الوطنية لدي الأجيال وهي رسالة تربوية إعلامية فياحبذا لو خُصِّصَت الساعة الأولي من الأسبوع الأول من كل عام دراسي بمادة تُجَسِّد معنى الإنتماء الوطني وتوجيهات الدولة لبناء الإنساني السعودي والمحافظة عليه بأخذ آراء الطلاب والطالبات بحرية تامة ويتم اختيار نماذج متميزة من المعلمين والمعلمات فشكرا لكاتب المقال الأستاذ محمد علي الفريدي رئيس تحرير الصحيفة الذي أثار في النفس الكثير من ذكريات الميدان التربوي .

    1. أستاذنا الكبير محمد الجحدلي “أبو معتز”.

      اولا تحية تقدير وامتنان لشخصكم الكريم، و ثانيا سررت كثيرا بقراءتي لتعليقكم العميق والمثمر لمقالي عن أدب الطفل وبناء الشخصية الوطنية ، و تخصيص ساعة من الأسبوع الأول من كل عام دراسي لغرس مفهوم الانتماء الوطني هو بالفعل اقتراح بالغ الأهمية.

      مثل هذه الأفكار النيرة تعكس حرصكم العميق على تربية الأجيال القادمة وفقا لقيمنا الوطنية الأصيلة ، و أعتقد أن إتاحة الفرصة للطلاب والطالبات للتعبير عن آرائهم بحرية، واختيار المعلمين المتميزين لهذه المهمة، سيكون له أثر كبير في ترسيخ هذه القيم.

      أشكر لكم أستاذي كلماتكم العميقة، و ارائكم السديدة التي لا شك ستكون منارة لنا في مواصلة رسالتنا الإعلامية.
      و تقبل فائق تحياتي واحترامي.
      أخوكم
      ابو سلطان

    1. أستاذتنا المبدعة سلامة المالكي، كلماتك شهادة أعتز بها وأحملها وساما على صدري ، لا فض فوكِ سيدتي ولا انقطع مداد إبداعك ، وجودك معنا في صحيفة “آخر أخبار الأرض” إضافة ثمينة، ونستمد منكِ الإلهام والتألق.
      ﻭ تقبلي فائق تحياتي.
      أخوكم/
      أبو سلطان

    1. أشكركم جزيل الشكر على كلماتكم الطيبة، وجهودكم المباركة في إخراج الصحيفة بالشكل الذي يليق بها ، و يسعدني أن المقال قد نال إعجابكم، وأتمنى بالفعل أن تصل رسالته إلى كل من يحتاج إلى سماعها، و بدعمكم نسعى دائما إن شاء الله لتقديم الأفضل ، شكرا مرة أخرى لثقتكم، وبارك الله في جهودكم المخلصة.
      تحياتي

  2. كلام سليم جدا فنحن بحاجة ماسة لتثقيف الأجيال القادمة وغرس حب الوطن العربي وليس التحيز وحشو العقول والقلوب بالكراهية

    1. شكرا لكِ أستاذة جوهرة على كلماتك الرائعة.
      بالفعل نحن بحاجة إلى ترسيخ قيم الحب والتسامح بين الأجيال القادمة، فحب الاوطان العربية والاعتزاز بها هو ما يجمعنا ويقوي روابطنا، والتحيز والكراهية لا يؤديان إلا إلى التفرقة، بينما العلم والمعرفة هما السبيل لتوجيه عقول الشباب نحو بناء مستقبل مشرق يقوم على الوحدة والتعاون ، أسعدني جدا سيدتي تعليقك، وأتطلع دائما للاستفادة من أفكارك النيرة.
      تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى