✍️البوصلة الخفيّة للذكاء..

✍️البوصلة الخفيّة للذكاء..
بقلم / د.عبدالإله محمد جدع
✔️في زمنٍ تتسارع فيه المشاعر والعواطف كما تتسارع الأخبار.. ويتعقّد فيه التواصل رغم كثرة الوسائل والبرامج.. وتضيق فيه المسافات رغم اتساع التقنيات.. لم يعد الذكاء ترفا يُقاس بما تحفظه من معلومات.. ولكن بما تفهمه من مشاعر، وبما تبنيه من علاقات..
ولقد تناول الكثير من علماء النفس والباحثين الذكاء العاطفي والاجتماعي من زوايا نظرية ومقاربات تحليلية دقيقة.. غير أن الأمر يتطلب – وسط زحام المصطلحات وتنامي المعارف – تبسيط تلك الرؤى وتحويلها إلى واقع ممارس
وسلوك معاش.. وأقول ابتداءً.. إن الذكاء العاطفي.. ليس أن تفهم مشاعرك فقط.. بل أن تعي أيضا ما يشعر به الآخرون.. حتى حين لا ينطقون.. أن تملك تلك البوصلة الخفيّة التي تشير إلى حزن خلف صمت، أو قلقٍ خلف تظاهرٍ بالقوة .. هو أن تُدير مشاعرك دون أن تنكرها، وأن تحتوي مشاعر من حولك دون أن تذوب فيها..أن تكون لنفسك ضوءا.. ولغيرك ظلا آمنا.
✔️أما الذكاء الاجتماعي.. فهو أن تعرف كيف تطرق أبواب القلوب دون ضجيج.. أن تدخل المجالس وتترك أثرا لا صوتا.. أن تقرأ المواقف كما تُقرأ القصائد، ببصيرة تُدرك الإيقاع قبل الكلمة.. هو أن تقول ما ينبغي، حين ينبغي.. بالطريقة التي تُبقي العلاقة حيّة وإن اختلفت الآراء..أن تكون ليّنا دون ضعف.. واضحا دون قسوة.. محبوبا ليس بسبب مجاملاتك.. بل لفطنتك في فهم الناس كما هم، لا كما تريدهم أن يكونوا.
✔️الذكاء العاطفي يبدأ من الداخل.. من نظرتك إلى نفسك، وصدقك معها.. بينما الذكاء الاجتماعي ينعكس في الخارج.. في قدرتك على بناء الحسّ، لا الحسد.. وبناء الجسور، لا الحواجز.. هو في كل لحظة تُدير فيها مشاعرك دون أن تُنكرها.. وفي كل موقف تُدرك فيه مشاعر غيرك دون أن تذوب فيها.
✔️أما تنمية الذكاء العاطفي والاجتماعي فليس حِكرا على النظريات.. ولكن في ممارسة مستمرة للانتباه.. أن تُصغي أكثر مما تتكلم.. أن تتوقف لتتساءل.. ماذا أشعر؟ وماذا يشعر من أمامي؟ أن تتعلم كيف تُنصت لما لا يُقال.. وأن تضع نفسك في موضع الآخر، دون أن تفقد موضعك أنت.. أن تُدرّب ردّات فعلك كما تُدرّب عضلاتك.. وأن تتعامل مع كل لقاء كفرصة للفهم..
لا للحكم والجدال.
📌إنها رحلة تبدأ من الداخل وتمتد إلى الخارج.. تنضج مع التجربة.. وتتهذب بالصبر.. وتُثمر في من يختار أن يكون إنسانا.. لا مجرد متحدث بارع، أو مفكر عظيم..
كاتب رأي