كُتاب الرأي
(مُقارنات)

(مُقارنات)
………
من السوء أن تُقحم فكرة المقارنة في كل أمور حياتك ، فإن فعلت ذلك فإنك الخاسر الوحيد في هذه الحالة..
فكرة الحياة المقرونة والقائمة على المقارنات ، فكرة مُرتبطة على نتائج الخيبة من الدرجة الأولى ، لأن كل شيء كيان قائم بذاته له طابع مُميز وظروف خاصة ونمط مُختلف لا يُشابه الآخر..
من الصحة النفسية ألآ تُقارن نفسك بالآخرين لا في الفرح ولا الحزن ولا النجاح ولا الفشل والإخفاق ولا المال ولا الشُهرة والمناصب العُليا ولا الصحة والمرض ، فهم شيء وأنت شيء آخر ..
يقول الفيلسوف جان جاك روسو:
“الشرّ يبدأ عندما يبدأ الإنسان بمقارنة نفسه بالآخرين” ، فهو يرى أن المقارنة تولد الحسد والطبقية..
ولو وضعنا أمثلة توضيحية للمقارنات فلن نكتفي لأنها كثيرة لا عدّ ولا حصر لها ، على سبيل المثال المقارنة بين البشر في أنماط شخصياتهم وتركيبة أفكارهم مقارنة فيها من الغباء الشيء الكثير ، لأن البشر مستحيل أن يكونوا نسخة كربونية من بعضهم لا بالشكل ولا بالمضمون..
المقارنة بين الأماكن والمُدن والدول أثناء التجوال والسياحة بينهم ، مقارنة غير عادلة فلكل منطقة طابعها وسماتها التي تُميزها عن غيرها جغرافياً واجتماعياً ودينياً واقتصادياً وثقافياً مشمولة بالعادات والتقاليد ونمط الحياة ..
المقارنة بين نمط وطريقة المُنظمات الحكومية والإدارية تحكمها طابع سياسة الدول وتوجهها الداخلي والخارجي والمقارنة بينها مستحيلة..
المقارنة بين نمط وطريقة تعامل الأصدقاء فيما بينهم والأخذ والعطاء المحبة والمودة والتواصل والقرب والبعد ، مقارنة كارثية وبها الكثير من خيبات الأمل ، وكنصيحة شخصية لا تفعلها وتخوض غِمارها..
مقارنات الانتاجية داخل بيئة العمل سواء كانت بيئة صغيرة أو كبيرة ، مقارنات مُحبطة تجر خلفها ويلات من القهر وكثير من الاحتراق الذاتي الوظيفي..
يقول المفكّر سورين كيركغور:
“الحياة لا تُفهم بالمقارنة مع غيرها ، بل تُعاش في تفردها” وهنا يركز على أهمية الخبرة الذاتية بدلاً من المقارنة مع الغير..
مقارنات العائلة الواحدة المُتهم فيها الوالدين والضحايا الابناء ، ابتعد عنها فلكل أب وأم ظرفهم الخاص في تعاملهم مع أبنائهم حسب شخصية كل فرد في العائلة وحسب إمكانيات الوالدين العاطفية والنفسية والقدرة المالية ونمط فكرهم في إدارة الأسرة..
وضع الفرد نفسه في حالة مقارنات بين ردود أفعاله في المواقف وتطور شخصيته وأفكاره وطريقة أسلوبه في إدارة حياته ، لها وجهان الأول صحي والثاني كارثي ، الوجه الصحي إذا كان الفرد يُقارن نفسه ويتابع تطورها من باب النقد والتحسين وزيادة الخبرة والوقوف على مكامن الضعف لتقويتها ونقاط القوة ودعمها أكثر ، بينما الجانب الكارثي إذا كانت المقارنة الشخصية قائمة على جلد الذات ولومها وإذلالها من خلال المواقف الحياتية ، لماذا فعلت ذلك ولماذا لم أفعل؟! ، فهذا بحذ ذاته مقارنة مريضة تُهلّك صاحبها..
يقول الفيلسوف نيتشه:
“من يركض وراء التفوق بالمقارنة بالآخرين ، يفقِد نفسه والقدرة على أن يكون فريداً”..
الفكرة الأساسية التي تُبعدك عن المقارنات فكرة الرضا والامتنان بما منحهُ الله لك في هذه الدنيا ، يقول الفيلسوف سينيكا:
“لا تكون سعيداً إذا قارنت نفسك بمن هم أعلى منك ، بل انظر إلى من هم أقلّ منك حظاً”..
المقارنات الصحيّة السليمة التي يجب أن ننتهجها في حياتنا ونعمل بها هي المقارنة الفكرية والمنهجية التي تُستخدم لدراسة أوجه التشابه والاختلاف بين ظاهرتين أو أكثر ، سواءً كانت تلك الظواهر أشياءً أو أفكاراً أو أحداثاً أو حتى كيانات معقدة مثل الثقافات أو النظم الاقتصادية ، بحيث تعتمد المقارنات على تحليل الخصائص المشتركة والفروقات لتحديد العلاقات أو استخلاص النتائج..
الهدف من المقارنات:
١- (الفهم الأعمق) الذي يساعد على كشف جوانب قد تكون غامضة عند دراسة شيء مفرد.
يقول الفيلسوف أرسطو:
“المعرفة تبدأ بالمقارنة ؛ فنحن نعرف الشيء بقياسه إلى ما يشبهه أو يختلف عنه” هنا يشير إلى أن المقارنة أساس الفهم والإدراك والمعرفة..
٢- (التقييم) مثل مقارنة منتجات أو نظريات لاختيار الأفضل..
٣- (التصنيف) لوضع الأشياء في فئات بناءً على معايير مشتركة..
٤- (الاستدلال) لاستخلاص قوانين أو أنماط عامة..
٥- (التنظير) لبناء نظريات جديدة من خلال مقارنة حالات متعددة..
هناك خطوات لإجراء المقارنة وهي :
١- تحديد الهدف: لماذا نقارن؟ (لفهم، تقييم، اتخاذ قرار…).
٢- اختيار العناصر: ما هي الظواهر أو العناصر المُراد مقارنتها؟
٣- تحديد المعايير: على أي أساس ستتم المقارنة؟ (مثال: السعر، الجودة، الفعالية).
٤- جمع البيانات: معلومات دقيقة عن كل عنصر.
٥- التحليل: إبراز أوجه التشابه والاختلاف.
٦- الاستنتاج: تلخيص النتائج أو اتخاذ قرار..
للمقارنات أنواع:
١- (المقارنة الأفقية) بين ظواهر متعاصرة مثل: مقارنة نظامي تعليم في دولتين الآن..
٢- (المقارنة التاريخية) لدراسة تطور ظاهرة عبر الزمن ، مثل مقارنة الديمقراطية في العصر القديم والحديث..
٣- (المقارنة الوصفية) تركيز على أوصاف الظواهر دون تقييم..
٤- (المقارنة المعيارية) لتقييم الظواهر بناءً على معايير محددة مثل كفاءة الطاقة بين الأجهزة..
المقارنة سلاح ذو حدين إمّا أداة للمعرفة أو مصدراً للشقاء ، حسب سياقها وهدفها ، المهم استخدامها كوسيلة لفهم الذات والعالم ، لا كمعيار لقياس قيمة وجود الإنسان..
ولا نغفل أن المقارنة عائق كبير للإبداع ، يقول رالف والدو إمرسون :
“كن نفسك ، كُل المقارنات هي سرقة للذات”..
ونختم مقالنا كما بدأناه لا تقارن نفسك بالأخرين إلآ في جانب واحد فقط في (الأخلاق) ، يقول المفكر كونفوشيوس:
“لا تقارن نفسك بالآخرين في الثروة أو المنصب ، بل في الفضيلة والعطاء”..
……….