حينَ يَنكسِرُ الضَّوْءُ في مِرآةِ السِّرِّ .. وتَضيعُ الأمانةُ في غَياباتِ الجُبِّ

د. عبدالإله محمد جدع
حينَ يَنكسِرُ الضَّوْءُ في مِرآةِ السِّرِّ .. وتَضيعُ الأمانةُ في غَياباتِ الجُبِّ
السِّرُّ ليسَ لَفظًا، بل كَيانًا شَفِيفًا يَسكُنُ القلبَ ويَتَنَفَّسُ بِصَمتٍ.
هو ضَوءٌ في مِرآةٍ، إن خَرَجَ انكَسَرَ، لا لأنَّ الضَّوءَ هَشٌّ، بل لأنَّ الأياديَ الَّتي حَملَتْهُ لم تُدرِكْ أنَّهُ أمانةٌ. وإن أودَعتَ سِرَّكَ أو حَقَّكَ في كَفٍّ لا تَعرِفُ أنَّ الكَفَّ وِعاءُ أمانةٍ، فلا تَلُمِ البَحرَ إنِ ابتَلَعَكَ.
بَعضُ النُّفوسِ تُفَرِّطُ في الأسرارِ كما تُفَرِّطُ في الحقوقِ،لأنَّ الأمانةَ لا تَنبُعُ مِنَ القُربِ، بل مِنَ النَّقاءِ:
{ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ }
فليسَ كُلُّ قريبٍ أو صَديقٍ مأمَنًا، ولا كُلُّ مَنِ ابتَسَمَ ظِلًّا حَقيقِيًّا،،
العِبرةُ ليستْ في الرَّوابِطِ بل في مَن يَحمِلُ سِرَّكَ وأمانتك كَمَن يَحمِلُ شَمعَةً وَسْطَ عاصِفَةٍ، لا تَنطَفِئُ.
المَواقِفُ وَحدَها تَكشِفُ مَن يَرى السِّرَّ والعَهدَ والحَقَّ مَسؤوليَّةً، ومَن يَراهُ سِلعةً أو لُعبةً. فَالخِيانةُ لم تَعُدْ صاخِبةً، بل صارَتْ تَهمِسُ وتَبتَسِمُ. والخِداعُ عندَ البعضِ، حِيلَةٌ، لكنَّهُ في جَوهَرِهِ عَجزٌ عنِ الوفاءِ وانكِسارٌ في أَصلِ الأخلاقِ.
أمّا الَّذِينَ لا يَخذُلُهُم لِسانُهُم، ولا تُغَرُّهُم الغَرائزُ، فَهُم ظِلُّكَ حينَ تَنكَشِفُ، ومَلاذُكَ حينَ تَختَلِطُ الطُّرُقُ.
قالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾
أُولئكَ لا يَكشِفونَ سِرَّكَ، ولا يُضَيِّعونَ حَقَّكَ، لأنَّهُم لا يُفَرِّطونَ حتّى بِما لم يُطالَبوا بهِ.
فاخْتَرْ مَن يَصُونُكَ دونَ أن تَطلُبَ، ويَفهَمُ صَمتَكَ دونَ أن تَشرَحَ.
كاتب رأي