كُتاب الرأي

الصمت في زمن الضجيج: حين يكون الانسحاب حكمة

بقلم ✍🏼:ناصر ال عون

الصمت في زمن الضجيج: حين يكون الانسحاب حكمة

في عالمٍ تضجّ فيه العقول بأنانيتها، حيث لا أحد يصغي بصدق، ولا أحد ينتظر أن يُفهَم، يرفع البعض راية الحوار، بينما هم في حقيقتهم لا يسعون إلا إلى انتصار هشّ يتكئون عليه لدعم غرورهم المتداعي.

تدخل النقاش ظنًّا منك أنك ستضيء زاوية معتمة، فإذا بك تكتشف أنك تخاطب من قرر أن يغمض عينيه ويصمّ أذنيه، رافضًا أن يخطو خطوة واحدة خارج قوقعته.

الجاهل يرى جهله علمًا، والعنيد يعتبر الاعتراف بالخطأ هزيمة، والانتهازي لا يناقش، بل يبحث في كلماتك عن ثغرة يغرس بها خنجره.

في معركةٍ ظاهرها الكلمات، وباطنها صراع نفسي مرهق…

في مساحة يغيب عنها صفاء النوايا، يصبح للكلام طعمٌ مرّ، وللحقيقة وقعٌ عديم الجدوى.

في مثل هذا الميدان، لا يكون الصمت هزيمة، بل تجاوزًا للطين.

الصمت هنا قرار خفي يتخذه عقل تعب من الجدل، وروح أدركت أن النجاة لا تكون بإثبات الذات، بل بالانسحاب بحكمة.

أنا لا أصمت لأنني عاجز عن التعبير، بل لأن ما أملكه أثمن من أن يبدَّد في طرقٍ عقيمة.

أصمت لأن السلام النفسي عندي ليس سكونًا فارغًا، بل انتصارٌ خفي لا يُصفق له أحد، لكنه يحميني من الاحتراق.

الصمت، يا صديقي، ليس ضعفًا…

إنه لغة الناضجين، الذين لا يصرخون في آبارٍ بلا قاع، بل يختارون معاركهم لأنهم يعرفون أن بعض الانتصارات ما هي إلا هزائم مقنّعة.

كاتب رأي

ناصر مسفر آل عون

كاتب رأي وإعلامي ومدير مكتب الصحيفة في نجران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى