كُتاب الرأي

إما تقاعد الوزراء القدامى أو الربيع العربي

محمد الفريدي

 

إما تقاعد الوزراء القدامى أو الربيع العربي

قبل صدور قرار الملك بتعيين وزراء شباب وإحالة القدامى إلى التقاعد، كنت من الذين يطالبون بذلك لتفادي “جحيم سعودي” على غرار “الجحيم العربي”، وبعد صدور القرار، تساءلت: كيف تُستبدل الخبرات الطويلة بشباب يفتقرون إلى التجربة؟!
وظللتُ أفكر في الأمر لأيام وأستمع إلى النقاشات، وأتأمل المواقف المختلفة، في البداية كان القلق يسيطر على تفكيري وشعرت بصراحة بأن بلادنا تخوض تجربة محفوفة بالمخاطر، ولكن مع مرور الوقت بدأت نتائج القرار تتضح تدريجيا، والوزراء الشباب الذين تم اختيارهم لم يكتفوا بالمحافظة على المكتسبات بل أضافوا إليها حيوية وأفكارا مبتكرة مستفيدين من تقنيات العصر وأساليب الإدارة الحديثة التي تلبي تطلعات مجتمع متعطش للتجديد.

وفي إحدى المناسبات، التقيت بوزير متقاعد كنت احبه و أقدره واعتبره رمز للحكمة والخبرة، وسألته عن رأيه في قرارات الملك الأخيرة وبابتسامة هادئة قال لي:
_ يا بني الحكمة ليست في العمر والخبرة وحدهما بل في اختيار التوقيت المناسب كنا نعلم أن وقت تسليم الراية لجيل جديد سيأتي وأردنا أن يتم ذلك ونحن في قمة عطائنا ، وهؤلاء الشباب يمتلكون طاقة وحيوية تحتاج إليها البلاد، ونحن على استعداد لدعمهم بخبرتنا متى احتاجوا إليها ، والملك ببصيرته أدرك أهمية التغيير في هذه المرحلة وفي هذا الوقت بالتحديد واتخذ القرار المناسب بوعي وشجاعة.

كلماته غيرت وجهة نظري، وأدركت أن التوازن بين حيوية الشباب وخبرة الكبار هو ما تحتاج إليه بلادنا لمواصلة مسيرة التقدم والقرار لم يكن إقصاءً للكبار على حساب الصغار بل تمكينا لجيل جديد مؤهل لقيادة المستقبل ودعما لرؤية متكاملة تجمع بين الخبرة وطاقة الشباب.

ومع مرور السنوات أثبت الوزراء الشباب كفاءتهم، وحققوا إنجازات لافتة في مجالات متعددة، وأظهروا قدرة كبيرة على اتخاذ القرارات السريعة والعمل بروح الفريق الواحد مع طرح الحلول المبتكرة للقضايا الملحة، وأسهموا في تطوير التحول الرقمي الذي أحدث نقلة نوعية في تحسين جودة الحياة والخدمات الحكومية ورفع مستوى الشفافية والتفاعل بين المواطن والدولة ، وكان لهم دور حيوي في معالجة القضايا الاقتصادية المعقدة مثل تنظيم أسواق العمل وارتفاع تكاليف المعيشة وتمكين المرأة في سوق العمل، وفي مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية، وأظهرت خططهم المرونة المطلوبة لتحقيق نتائج ملموسة على المدى القريب مع وضع إستراتيجيات طويلة الأمد لضمان استدامة التنمية.

إن القيادة العليا التي قررت تمكين الشباب من الحقائب الوزارية التي كانت حصرية على الكبار كانت تدرك أن هذا القرار ليس مجرد تحديث شكلي بل ضرورة وطنية لتجديد الدماء وضخ الطاقات الجديدة في مؤسسات الدولة فالمملكة كغيرها من الدول تواجه تحديات إقليمية ودولية تتطلب تفكيرا جديدا وأساليب عمل مبتكرة.

ومن الواضح أنه لو لم يتم تمكين الشباب واستبدال الوزراء القدامى في الوقت المناسب، لاستمر الركود في العمل الحكومي، و لزادت الهوة بين الحكومة والمواطنين خاصة الشباب الذين يشكلون غالبية المجتمع ، وهذا الإحباط الشعبي كان من الممكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرارنا الداخلي على غرار ما شهدته بعض الدول العربية خلال موجة ما يسمى بـ (الربيع العربي).

لكن بفضل الله ثم بفضل بصيرة الملك جاءت القرارات الاستباقية التي عززت الاستقرار الداخلي، وفتحت آفاقا جديدة للمستقبل، ولم تكن تجربة الوزراء الشباب مجرد مرحلة عابرة بل تجربة أثبتت نجاحها، وأكدت أن ضخ دماء جديدة في مفاصل الدولة هو السبيل الوحيد لمواكبة العصر.

اليوم، ونحن نمضي نحو تحقيق أهداف رؤية 2030 أصبح من الواضح أن تمكين الشباب لم يكن مجرد خطوة إدارية بل رؤية وطنية متكاملة تهدف إلى بناء جيل قيادي يحمل الراية بثقة واقتدار.
هؤلاء الشباب أثبتوا أن القيادة ليست حكرا على الخبرة الطويلة فقط بل هي مزيج من الشجاعة والابتكار والقدرة على اتخاذ القرارات الجريئة التي تخدم تطلعات الوطن والمواطن.
لقد أدرك الوزراء الشباب أهمية المزج بين التخطيط بعيد المدى والحلول السريعة لمعالجة القضايا الملحة، وروح المبادرة التي أظهروها ليست مجرد حماس مفتعل بل تعبير عميق بمتطلبات المرحلة واستثمار الفرص المتاحة لتحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى.

إن تجربة تمكين الشباب لم تكن على حساب الخبرة بل كانت تكاملا بين جيلين، وأثمرت عن قيادة متوازنة تجمع بين رؤية جديدة ومشورة حكيمة، وخلقت بيئة قيادية مثالية أسهمت في تحقيق قفزات نوعية في مختلف القطاعات.

واليوم، وبعد مرور عقد من الزمن على تجربة تمكين الوزراء الشباب نستطيع أن نؤكد بثقة أن هذه الخطوة كانت نقطة تحول نحو مستقبل واعد، وأثبت الوزراء الشباب أنهم قادرون على الإبداع والتغيير، وأظهروا روح المبادرة التي أسهمت في بناء دولة سعودية تنافس عالميا على الصدارة في جميع الميادين بكل جدارة.
هذه التجربة القيادية ليست مجرد نجاح عابر بل هي نموذج يُحتذى به في المنطقة والعالم ، وسياسات الملك التي وضعت الثقة في جيل الشباب أثمرت عن بناء دولة تتماشى مع تطلعات المرحلة ونموذج يُشار إليه بالبنان في التطوير والإبداع، فشكرا لوزرائنا الشباب على كفاءتهم وشكرا بحجم السماء للملك الذي آمن بقدراتهم، ومكّنهم وأعاد في الوقت المناسب وزراءنا القدامى إلى منازلهم.

كاتب رأي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى