بين الهواية والهوية

بين الهواية والهوية
د. أميرة محمد
الهواية والهوية، كلمتان تتشابها كثيرا من ناحية الحروف، إذ لا يفرق بينهما سوى حرف واحد، وهذا بالنسبة للشكل الخارجي، لبنية الكلمتين، لكن المتمعن فيهما سيدرك الفرق الموجود بينهما، والذي وإن كان مختلف كثيرا، إلا أنه يمكن إحداث توافق لهذين المعنيين؛ وذلك كي يخدم بعضهما بعضا وهذا هو ما اثرت الحديث عنه؛ ليقيني أن هذا أمر جدير بالمناقشة.
فأما الهواية: فهي من الناحية اللغوية لها معاني عديدة، وبالإمكان معرفة بعض هذه المعاني بالرجوع للمعاجم؛ فنحن لسنا بصدد عرض المعنى اللغوي لها، ولو أردنا وضع معنى مبسط للهواية، فيمكننا تعريف الهواية: هي ذاك الأمر، الذي يفضل شخص ما القيام به، أو ممارسته دون سواه، ويكون فعل ذاك الامر مصحوبا بقدر عالي من السرور للشخص، وبنسبة كبيرة لا يهتم الشخص بالجانب الربحي الذي سيعود إليه من جراء فعل هذا الأمر.
وفيما يخص الهوية: فالهوية في المضمون يغلب عليها الطابع السياسي، إذ تعبر وبنسبة كبيرة عن انتماء الشخص لعرق أو لفئة معينة، ولا ارغب في توضيح المعنى اللغوي لها ايضا، فكما سبق القول معاجم اللغة مكتظة بالتعريفات، حيث بإمكان من يريد معرفة المعنى اللغوي للهوية الرجوع إليها بسهولة.
ولكن لمن يريد معرفة معنى الهوية بشكل مبسط: فيمكننا القول بأن الهوية: هي ذاك الطابع الخاص جدا، والذي يمكن تشبيهه بالبصمة، بحيث من خلالها يمكن معرفة عرقية شخص ما أو أصله؛ من ثم يمكن معرفة عاداته وتقاليده، ومن ثم يسهل استنباط واستشفاف تفكيره وتقديم الوسائل التي تتفق وهذه الهوية.
ورغم الاختلاف الذي اتضح لنا مما سبق عرضه بين الهواية والهوية، إلا أنه يمكن احداث توافق وتجاذب بينهما، بحيث يكون كلن منهما وجه عملة للأخر، فالمتتبع لتاريخ الهوية، يجد أنها أصبحت في وقتنا الحالي، أكثر معاناة من ذي قبل؛ وذلك لأنه وللأسف الشديد اصبحت الغالبية العظمى، تنساق كالقطعان نحو تقليد كل ما أطلق عليه جديد ومعاصر، دون النظر إلى ما إذا كان يناسب مجتمعنا أم لا؟، الأمر الذي من خلاله اصبحت الهوية تغتال وتقتلع من جذورها؛ كي يسهل زرع هوايات تتناسب واراء الطامعين.
ولو أردنا وبشكل حقيقي إحداث وفاق بين الهواية والهوية؛ ليعالج كلن منهما الاخر ويسد النقص فيه، فإن ذلك يكون عن طريق وسائل عدة منها: اتباع هوايات تتفق وتقاليد مجتمعنا العربي، كذلك ضرورة العمل على إعادة التعريف بالمعنى الحقيقي للهوية العربية الإسلامية بطريقة تتناسب وتشبع هوايات الافراد الآن دون الاخلال بأي جزء من أجزاء هذه الهوية، وأيضا محاولة التقليل من الاعتماد على اللغات الأجنبية فيما بيننا، بحيث نعود للعربية مسقط هويتنا، كذلك ضرورة التقارب بين الشعوب العربية وتنحية الخلافات جانبا؛ بحيث يعود ايمان الأجيال الناشئة بوجود الوحدة العربية مرة ثانية، وأخيرا عدم الخجل من التاريخ الماضي للحضارة العربية؛ وذلك لأن هذه الحضارة العربية الإسلامية قد انارت العالم تقدما وتطورا في وقتها الذهبي، حتى أن الحضارة العالمية المزعومة الآن سارت على نهجها عند بداية قيامها من العدم حتى صارت تحكمنا الآن.
فهنيئا لشعوب ذللت الهوايات لخدمة هويتها، فباتت هويتها ايقونة يعتد بها الجميع دون استثناء.